رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قالوا ويقولون..الإنسان حيوان مفكر..هكذا قرأنا كثيرا فى الكتب. ولكن البون شاسع بين الاثنين..إن الحيوان له عالمه المحدود فى إطار معين فكل ما يتطلبه هو الطعام والإبقاء على نوعه. إن أفق الحيوان ضيق ويسير فى رحلة حياته وفق غرائز فطرية فيه كغريزة الطعام والشراب والتناسل..بينما الإنسان يعيش داخله أطر وأفق مختلف تمام الاختلاف، ويكفى أن يكون للإنسان عالمه النفسى وما يجيش فيها من مشاعر وأحاسيس قد تتنافر وقد تتآلف وقد تفيد وقد تضر.. على أية حال إن الحالات والانفعالات النفسية للإنسان شتى ومتداخلة ومتعارضة ومتصارعة.. ومن بين تلك الحالات والانفعالات النفسية نجد الملل. ذلك الداء الذى يصيب ذات الإنسان فيضطرب داخله وينقلب خارجه، وتصبح حياته بمثابة الجحيم. وعلماء النفس يتناولون تلك الحالة بالتحليل والتفسير والإخضاع لمقاييس ومناهج نفسية يسيرون بها فى دراساتهم. بينما يتناولها الفيلسوف بدرجة من التأمل والتحليل محاولا أن يدخل إلى الظاهرة ليكتشف الكامن فى داخلها ويضئ الجانب المظلم فيها.

والبحث فى الملل هو بحث فى جذور الذات الإنسانية وإذا كان هناك من يقف عند الملل بوصفه مشاعر داخلية أو أحاسيس تعترى الذات فتبدلها من حال إلى حال.. إلا أن هناك من يدخل إلى جوهر الملل ليكتشف أنه حالة تعترى الذات الإنسانية.. نقول عنها إنها حالة وجودية تعانيها الذات.. وهناك من يرى أن الملل نعمة وهناك من يرى الملل نقمة وهناك من يرى أن الملل دليل على الوعى والذكاء وهناك من يفسر كل التاريخ الإنسانى من تلك المقولة (الملل) وكل الحروب التى تنشأ بين البشر والدول وكل الاختراعات التى نشاهدها ونستخدمها ونستمتع بها وكل الهروب من محيط الأرض إلى الفضاء الخارجى.. كل ذلك هو بسبب الملل والهروب منه.. وهناك شعوب تتمكن من استثمار الملل خير استثمار.. ومعنى ذلك أننا يمكن أن نفسر الشعوب والمجتمعات من خلال تلك المقولة (الملل).

وقد تظن أن مشكلة أو قضية الملل أمر بسيط أو مجرد مقولة كثيرا ما نرددها فى حديثنا.. وأنها لا تحتاج لدراسة وتحليل أو لا تحتاج إلى أن نخصص لها كتابا يتناولها.. لكن الغريب أن مشكلة الملل عندما ندخل لدراستها نجدها قضية متشعبة وكم هى فى حاجة إلى التحليل والدراسة بل إننى أزعم أن تحليل تلك المشكلة أو القضية كفيل أن يحل الكثير من المشكلات.. فربما تكون المشكلة العويصة والصعبة والتى نحتار فيها سببها فى الأصل هو الملل! والقارئ العزيز بعد أن يقرأ هذا الكتاب سوف يكتشف أننا على حق عندما نقول إنها مشكلة تحتاج فعلا للدراسة والتحليل وسوف يكتشف قارئنا أنه أبدا لم يضع الوقت سدى بل إن الأمر وضح أمام عينيه إلى حد كبير.

وقضية الملل شغلتنا فترة طويلة وكلما هممنا أن نتصيدها ونكتبها ونعرضها شعرنا بالملل والابتعاد عن تلك القضية.. لكننا ما لبثنا أن حاولنا أن نكتبها لما نراه من أهمية فى عرض تلك القضية وآمل أن يتشجع البعض أن يخوضوا فى تحليل تلك الحالة التى تعترى الذات الإنسانية

وقد جاء تناولنا لقضية الملل من الوجهة الفلسفية إلى حد كبير وأعترف أننا لم نتناول القضية من الناحية النفسية أو الاجتماعية.

فآمل أن يجد القارئ الكريم متعة فى قراءة كتابى (كيف تتخلص من الملل) صادر عن دار ليفانت للدراسات الثقافية والنشر – الإسكندرية.

--

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال – أكاديمية الفنون