طلة
أشعر بالغيرة الشديدة كلما تجولت فى شارع الدستور بالعاصمة الأمريكية واشنطن.الشارع يضم مجموعة من المتاحف يندر أن تجد مثيلا لها فى شارع واحد فى العالم كله, ورغم أننى زرت واشنطن مرات عديدة إلا أننى لا أبالغ لو قلت إننى حتى الآن لم أتمكن من زيارتها كلها حيث يحتاج كل متحف من هذه المتاحف يومًا كاملاً وربما أكثر حتى تستطيع أن تستمتع وتزور كل الأجنحة الموجودة بالمتحف خاصة متاحف الفنون والطيران والتاريخ الطبيعى وغيرها.
اشعر بالغيرة فعلا لأن بلدا عمرها لا يتجاوز ثلاثمائة عام ومع ذلك صنعت من ذلك التاريخ هذه القيمة التى يحترمها الأمريكيون ونقلوا ذلك الاحترام للعالم كله. أشعر بالغيرة الشديدة جدا وعن حق,كيف لا يكون لدينا فى الأقصر مثلا عشرون أو حتى ثلاثون متحفا مثل هذه المتاحف ونحن أصحاب التاريخ الطويل. الأقصر التى تضم ثلث آثار العالم ألا تستحق أن تكون لها تجارب مماثلة لمثل تجربة شارع الدستور فى واشنطن؟. ما تشهده الأقصر حاليا من تطوير والاحتفالات العالمية المتوقعة مع ازاحة الستار عن طريق الكباش والذى من المتوقع أن يساهم فى بث الروح للحركة السياحية من جديد يجعلنى أقترح أن تفكر الحكومة جديا فى نقل تلك الفكرة فى تخصيص منطقة كبيرة فى صحراء الأقصر الشاسعة لتكون مدينة المتاحف والتى لن تقل فى أهميتها عن العاصمة الإدارية الجديدة.مدينة المتاحف لن تتكلف ربع ما تكلفته العاصمة الإدارية لكنى أزعم بل اضمن ان مردودها الاقتصادى سيفوق العاصمة الجديدة.
ربما يقول قائل بأن ما يوجد من متاحف فى الأقصر يكفى لعرض الآثار التى تذخر بها ولكن من قال أن المتاحف لا تضم إلا الآثار الفرعونية؟ إن لدينا فى مصر بشكل عام وفى الأقصر بشكل خاص ما يكفى لإقامة مائة متحف بدون مبالغة. لدينا على سبيل المثال صناعة الألباستر التى ينبهر بها السياح وهم يرون كيف يتم تحويل مادة الألباستر تقليد متقن للتماثيل ويقبلون على شرائها بشغف. لدينا الفنون الشعبية المتميزة وعلى رأسها الربابة والناى ولا أعتقد أن هناك موسيقى فى العالم كله تستخدم الربابة مثلا. ولعلنا كلنا نتذكر الريس متقال ملك الربابة وكيف أحدثت زيارته لفرنسا ضجة فى العالم كله، حيث تصدرت صورته بالربابة كبريات الصحف العالمية. لدينا من المنتجات المتميزة التى لا ينافسنا فيها احد مثل التمور والدوم والكركديه والتمر الهندى, كذلك وسائل النقل التى لا تراها مزدهرة فى اى مكان مثلما تجدها فى الأقصر خاصة العربات الحنطور وغيرها، كل تلك الأشياء تصلح لإقامة مجموعة من المتاحف لن تقل أبدا عن تلك المتاحف الموجودة فى واشنطن وغيرها من العواصم والتى تجذب يوميا مئات الآلاف من الزوار.
لا تتخيل كيف يستخدم الأمريكان تلك المتاحف فى شارع الدستور لبث روح الوطنية فى أطفالهم منذ نعومة أظافرهم. كلما مررت أمام متحف منها تجد طوابير من أطفال الحضانات وتلاميذ المدارس يستعدون لزيارة المتحف فى هدوء وترقب وشغف وكأنهم أمام محراب مقدس لا يتكلمون ولو همسا, يتجولون داخل الأجنحة فى نظام وسلاسة وهم يستمعون من مدرسيهم محتويات المتحف وماذا يمثل للولايات المتحدة الأمريكية. لذا يزرعون فى نفوس هؤلاء الأطفال حب الوطن بطريقة غير مباشرة وليس بالأغانى والأناشيد التى نطلقها ولا تعنى لكثير منا أى شيء ولا تزرع فينا كيف يكون حب الاوطان بالعمل على رقى تلك الأوطان بالعمل الجاد والاجتهاد والابتكار والاختراع, حب الوطن ليس كلمات بل عمل دؤوب مستمر ليحتل ذلك الوطن المكانة التى يريده له أبناؤه. لكل تلك الأسباب أغار من واشنطن.
كيفما تكونون تكون أوطانكم !