يوم الأحد الماضى رحل.. مجاهد عبدالمنعم مجاهد.. الرجل الذى صادقناه منذ فترة الشباب وحتى الرحيل كان يعمل فى وكالة الشرق الأوسط، لكنه كان موسوعيًا.. درس لنا فى كلية الآداب بالمنيا.. علم الجمال، والفلسفة المعاصرة، والميتافيزيقا.. كنا فى السنة النهائية.. وكانت محاضراته ممتعة.. شعرنا أننا وجدنا الذى نفتقده.. كان بمثابة من يضئ الطريق وتحديد الأهداف ويجعلك تمتلك القدرة على الرؤية وعلى امتلاك الأفكار.. ومنذ أن تخرجنا أنا وصديقى حسن حماد أصبحنا فى تلاق دائم.. وفى اختيار موضوعات الماجستير والدكتوراه كان مجاهد الداعم والمرشد والمنير لنا الطريق.. ناهيك عن المساعدة فى الكتب المتاحة لديه.. فدراستى لهيجل كانت بسبب مجاهد عبدالمنعم.. ودراستى لكيركجور وبرديائف أيضًا بمعاونته... رافقناه فى رحلة العمر وكان الهدف الأول عندما نأتى للقاهرة هو اللقاء مع مجاهد عبدالمنعم.
عرفناه مفكرًا.. وأديبًا.. وشاعرًا.. وإنسانًا.. قد لا تتمكن الكلمات أن تعبر عن الرجل فهو أكبر من الكلمات، أو أن الكلمات تتصاغر إذا حاولت أن توصفه أو توفيه حقه.. أذكر أننى عندما كانت تضيق بى الحياة وأشعر بالاختناق والملل والإحباط خلال عملى فى التربية والتعليم فلا أجد إلا الهرولة إلى القاهرة لمقابلة مجاهد عبدالمنعم لكى استمد الطاقة والحافز للمواصلة.. كان بالنسبة لى طاقة حيوية تدفعنا إلى الاستمرار وبذل الجهد من أجل تحقيق الهدف.. رحل مجاهد.. لكنه الموجود الغائب، ترك الكثير من الكتب الهامة التى ما زلنا نعود إليها ونستلهم منها الكثير والكثير من أفكاره وإبداعاته الجادة والرائعة... فى مجال الشعر نجد دواوين أغنيات مصرية، هكذا تكلمت العيون، وثالثهما العشق.
وفى مجال الفلسفة نجد العديد من المؤلفات والترجمات: الإنسان والاغتراب، الاغتراب فى الفلسفة المعاصرة، الاغتراب: مدخل إلى الفلسفة، فلسفة الفن الجميل، جدل الجمال والاغتراب، من القلق حتى الأمل، هيجل قلعة الحرية، رحلة فى أعماق العقل الجدلى، الفلسفة والحنين إلى الوجود، هيدجر راعى الوجود، دراسات فى علم الجمال، علم الجمال فى الفلسفة المعاصرة... وفى مجال الترجمة: فلسفة النفى (ماركيوز)، فروم – فن الحب، فروم – الخوف من الحرية، فنكلشتين – الواقعية فى الفن، جرين – هيدجر، فرويد – فروم، سكوت – بيكيت، اوزبورن – كافكا، برانت – كيركجور، كرانستون – سارتر، كولن ولسون – خفايا الحياة، كامو – أسطورة سيزيف، رينيه ويليك – تاريخ النقد الحديث، هيجل – محاضرات فى فلسفة الدين، نيتشه – هذا هو الإنسان.
ويبقى مجاهد بمثابة مثال قوى على قيمة العطاء التى لا تنتهى.. لقد أعطى لكل من قابله.. كان كله عطاء وبلا مقابل، إنه الخير المجسد ولذلك سوف يظل هذا العطاء بمثابة الحسنات المستدامة له فى الحياة.. نسأل له الرحمة والغفران.. وبرحيله تزداد مساحات التصحر فى محيط وجودنا الذاتى.
--
أستاذ الفلسفة وعلم الجمال
أكاديمية الفنون