تمر ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة علينا ونحن فى مرحلة فارقة لبناء دولة جديدة تمد أذرع التحديث والعمران والنماء فى كل مكان.
نتذكر بفخر ورضا تضحيات عظيمة لرجال شجعان عبروا قناة السويس، وقاتلوا ببسالة وقوة لاسترداد أرض مصرية مسلوبة هى سيناء.
نتذكر كل مسئول، قائد، جندى، مقاتل، طبيب، وكل مواطن مصرى تحمل المسئولية الصعبة وخاض التحدى طلبًا للكرامة الوطنية.
لقد كانت انتصارات أكتوبر المجيدة لحظات مجد عظيمة أثبتت فيها الأمة المصرية تماسكها وصلابتها ويقظتها وفرضت إرادتها على العالم بعد أن ظن البعض اندحارها.
وإذا كان لنا أن نتذكر ذلك الحدث العظيم، فإننا نستلهم فيه روحا حية وعزيمة صلبة لا تخمد ولا تلين، ونتدبر دروسا عظيمة خالدة تستفيد منها أجيال عدة، جيلا بعد آخر.
وحسبى أن أشير هنا إلى أهم الدروس المستوعبة لأعظم الانتصارات وأولها فى تصورى هو اليقين التام بقوة وصلابة الشخصية المصرية وقدراتها غير المحدودة على التضحية، والفداء، وإصرارها على التوحد والتكاتف فى مواجهة إسرائيل، لقد كان الاصطفاف الوطنى هو أهم عوامل الانتصار على العدو، وهو ما يجعله خيارًا حتميًا وحيدًا عند التعرض لأى خطر خارجى.
ربما كانت هناك اختلافات بين بعض القادة أو الساسة قبيل الحرب، لكن متى بدأت المعركة، انصهر الجميع خلف قائد واحد طلبا للنصر.
وثانى الدروس المستفادة هو أن إرادة المصريين متى شاءت مجدا، نالته بالإصرار والجهد والتخطيط. وهنا، فإنه ينبغى محو كلمة المستحيل، وعدم الإلتفات بتاتا لدعوات الإحباط، وتثبيط العزيمة. إن الجنود الذين حاربوا فى 1967 ولم تتح لهم فرصة القتال المباشر، هم أنفسهم الذين عبروا قناة السويس، وكبدوا الأعداء أقسى هزيمة.
ثالث الدروس هو أن لكل فرد من أفراد الأمة المصرية دوره ومسئوليته الذى يصب فى صالح مصر، فالقائد، والضابط، والجندى، والمهندس، والطبيب، والإعلامى، والمدرس، والصحافى، وغير ذلك لهم جميعا أدوار وطنية تتكامل وتتضافر معا من أجل الوطن. ولا ينبغى أبدا التقليل من دور أحد، ما دام الإخلاص ومحبة الوطن هى المظلة الأكبر التى تجمع كل فرد.
رابع درس هو أن النصر ليس ضربة حظ، وأن تحقيق العلا والتقدم ليس أمرًا عفويًا أو عشوائيا، وإنما هو نتاج تخطيط حكيم، وإعداد جيد، وتدريب متقن، وتنسيق بين كافة الأطراف. لقد تحقق لمصر النصر فى أكتوبر لأننا وضعنا خطة جيدة، ورسمنا سيناريوهات، وأعددنا العدة اللازمة، واستعددنا لكل شىء.
كذلك، فإن الثقة بالقيادة هى عنصر مرجح للوصول إلى النتائج المرجوة. فالأفراد يعملون بجد وهمة أكبر مع أولئك الذين يثقون فى وطنيتهم وصلابتهم وكفاءتهم. والقائد الفذ هو الذى يعرف تحديدا مقدار كل خطوة يخطوها، ومتى يتحرك ومتى يتوقف سعيًا لمصلحة بلاده، من هنا استحق الرئيس أنور السادات رحمه الله عن جدارة لقب بطل الحرب والسلام، إذ حقق بالحرب مصلحة مصر، ثم حقق بإيقاف الحرب وخوض السلام مصلحة مصر أيضا.
والدرس السادس هو أن القوات المسلحة المصرية على وجه التحديد، هى الحصن المنيع والركن الأعظم للأمة المصرية فى مسيرتها بين الأمم، وأن بقاءها، ورفعتها، وتقدمها، وريادتها أمر ضرورى، ولا يقبل أى تهاون أو تقصير.
وسلام على الأمة المصرية.