رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

خارج السطر

 

ثمة بقع حمراء على خريطة العالم. تحضر الإنسان مهما تحضر، وتطور إلى أقصى مدى ممكن، لكن سمات الحيوانية مازالت منغرسة فى البعض، ليصبح الفتك والعنف حلا مثاليا للخلافات والصراعات الإنسانية.

فى الأربعاء الماضى، كان جوفينييل مويس رئيس دولة هايتى يجلس فى منزله، مع زوجته، عندما سمعوا رصاصا يطلق خارج الأبواب، وتعالت أصوات غريبة عبر مكبرات الصوت تطالب الجميع بالتزام الهدوء، بادعاء أنهم قوات تابعة لهيئة مكافحة المخدرات الأمريكية. ولم تمر لحظات على إطلاق الرصاص من جانب مجموعة مكونة من ستة وعشرين مسلحا حتى تسلل بعضهم إلى داخل منزل الرئيس وأطلقوا عليه ست عشرة رصاصة، واقتلعوا إحدى عينيه، وأصابوا زوجته ورحلوا، دون أن يفقدوا سوى أربعة مهاجمين.

من قتل الرئيس؟ ولمَ؟ وما كل هذا الغضب؟ ومن دفع للمرتزقة؟ وكيف جرت الواقعة بهذه السهولة؟

 لا أحد يعلم يقينا، لكن ما يعرفه الناس هناك أن الفقر شمس سائدة، وأن نصف السكان ينامون جوعى. لا خدمات، لا مرافق، لا أمن، لا تعليم، لا فكر، ولا أفراح البتة.

وفى طول البلاد وعرضها تتمدد عصابات القتلة، البلطجية، منعدمو الأخلاق، تجوب الشوارع بحثا عن لقمة عيش، تسلب المارة ما يحملون، تعبث بفتاة جميلة رمت بها الصدفة فى طريقهم.

 يُسفح الدم كل يوم، ولا تجد الولايات المتحدة بأسا أن ترد بصراحة شديدة على رجاء السياسيين والعقلاء فى هاييتى بطلب قوات دولية لوقف الجرائم، بأنها لن تفعل. ببساطة لانتفاء المصلحة. ما يدفعها أن تُرسل رجالها إلى حيث الخطر والموت بلا مقابل!

مأساة إنسانية تؤكد أن قسوة القلب أعظم من قيم ومبادئ تسوق وتروج علنا. يكتب الروائى الهاييتى دانى لافريير مقالا فى «ليبرالسيون» يقول فيه إن الجحيم أفضل من بلاده. ويرجو الروائى المحبوب أصدقاءه ومعارفه ممن غادروا وطنهم رجاء وحيدا، هو ألا يعودوا إليها مرة أخرى.

صراعات، وانقلابات، ومؤامرات، واشتباكات، وقتل عشوائى، وضحايا، ولا بارقة أمل. لكن العالم الذى يستعد لزيارة المريخ يتفرج، وسيبقى متفرجا ما دام التدخل غير مربح.

ما يثيره المشهد فى نفسى، هو أن نعمة الأمن والاستقرار هى أعظم المنح الإلهية. أن نغفو على أسرتنا كل يوم دون هواجس السقوط فى براثن القتلة. أن نمتلك القدرة على الابتسام فى وجوه أصدقائنا، أن نُحب مَن نُحب دون خوف من عين راصدة، أن نقرأ فى سلام، ونتأمل الكون العظيم فى تدبر وعظة، أن نسعى فى الأرض، نُعمر، نُعلم، ونتعلم، ونزرع ونصنع ونحيا الحياة.

لقد كان مصطلح «الأمني» أو «المباحثى» سلبيا على مدى عقود طويلة فى الأدبيات العربية، لدرجة أن الشاعر نزار قبانى قال «إن رجال المباحث أمرٌ من الله مثل الزكام ومثل الجذام ومثل الجرب»، واعتبره كثيرون باعثا للقهر والقمع وسحق الإنسان، لكن أحدا لم يفكر للحظات بأنه لولا المؤسسات الأمنية القوية، المتفانية فى واجباتها لغمرت الفوضى تراب بلادنا خاصة فى ظل تعليم متدهور ووعى موجه وفكر مشوه.

أفكر بمنطق واضح وصريح بأنه مهما كانت أفكارنا وتصوراتنا، ومهما كان اختلاف بعضنا مع السلطة الحاكمة، فإننا متفقون جميعا على أولوية الأمن، وأننا ممتنون لمن يحفظ سلام الناس، ويسحق الفوضى، ويوقف الصراعات التى لا تصل أبدا إلى نقطة نور.

وأقول براحة ضمير: إن أى بلد بلا أمن هى الجحيم ذاته.

والله أعلم.

 

[email protected]