رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

الصعود من القمة (الحلقة الخامسة)

 

(إبادة الشعب الكوردي وصهره داخل دولة العراق)، عنوان من الصعب أن يكتبه زعيم عن بلاده، كلمات مريرة على مشاعر الزعيم الكوردي (مسعود بارزاني)، حين يرصد حال أبناء شعبه، وهم يُرحلون ويهجًرون من أراضى آبائهم وأجدادهم؛ كما بينه في فصل جديد من فصول كتابه (للتاريخ). وكأن الزعيم سليل القيم والتقاليد والعادات الأصيلة، أراد أن يبهر جمهوره الذي ينتظر كتاباته، ويرصد الحقيقه كما هي، حتى لو كانت صادمة، لأنه يعلم أنها وثائق تاريخية، وليست مجرد كلمات يحكي بها فترة زمنية عصيبة عاصرها.

بعنوان صادم يحكي (كاك مسعود) تاريخاً طويلاً من القهر والظلم، تعرض له الشعب الكوردي، بعد رصده (ثورة أيلول) التي تحدثنا عنها في مقالنا السابق (الصعود من القمة/ الحلقة الرابعة/ ثورة أيلول)، فراح يحكي في الفصل الجديد مشواراً طويلاً عاشه الكورد في سبيل الحصول على حقوقهم، بعد تقسيمهم بين أربع دول، ليتحدث عن القسم الذي أُلحق بدولة العراق، وحكاية الإبادة التي بدأت من إعدام السلطنة العثمانية جده الشيخ (عبد السلام بارزاني)، سنة 1914، بعد قيادته تمرداً مسلحاً ضد الحكم التركي لكوردستان. واستمرت لسنوات بعد الإطاحة بالنظام الملكي في العراق، في الرابع عشر من تموز (يوليو) سنة 1958، وبعودة (الملا مصطفى بارزاني)؛ سمحت لهم الحكومة العراقية بالعودة إلى منطقة بارزان، وكان مسعود حينها يبلغ الثانية عشرة من العمر.

كل محاولات الكورد في الحصول على حقوقهم كـ(شركاء في الوطن)، كانت صعبة. وفي هذا الفصل (خطة إبادة الكورد) القصير في كلماته، نلمس الصدمة في رصد المعاناة، وكأن كاتبه يخرج فيلماً سينمائياً وثائقياً، يصور فيه مشاهد التعذيب التي واجهها الشعب الكوردي من خلال كلمات وسطور موجعة، لا تجعل قارئها يتعاطف مع الأمة الكوردية فحسب، بل ويقًدر كمَّ العذاب الذي واجهه هذا الشعب الأصيل؛ للحصول على حقوقه المشروعة.

في هذا الفصل تنفضح سياسات التعريب المنظمة؛ بالأرقام والأدلة القاطعة، السياسات الرامية إلى إبادة الشعب الكوردي وصهره، والجهد الأول لتغيير ديموغرافية المناطق الكوردستانية كان ضمن إطار سياسة الترحيل القسري وتعريب المناطق الكوردستانية خلال مراحل مختلفة. وبعد استيلاء البعثيين على الحكم، دخلت خطط الترحيل والتعريب والتبعيث مرحلة واسعة وشديدة، ففي تلك المرحلة تعرضت 42% من أراضي كوردستان إلى حملات الترحيل وتهجير السكان (ص/ 39). ويتحدث الكتاب بالأرقام عن الأنفال والكيمياوي، وتدمير القرى، والممارسات بحق الكورد الفيليين. حتى أنه بسبب العدد الكبير لشهداء الكورد تحولت (حلبجة) إلى رمز لجريمة القصف الكيمياوي لكوردستان، فقد دمرت الحكومة العراقية بيئة كوردستان من خلال زرع الألغام في الغابات والجبال والطرق، وتهديم وحرق (4500) قرية، كما نسفت بنية الحياة القروية والزراعية، وأرغمت المواطنين على السكن في المجمعات القسرية في سبيل تدمير البنية الاقتصادية، وتحطيم أطر الحياة الاجتماعية للشعب الكوردي (ص/ 39 -41).

في هذا الفصل؛ توصل المؤلف إلى استنتاج مهم؛ قائلاً: "إن ما تم ذكره من جرائم مرتكبة ضد الكورد، مثبتة في المئات من الوثائق التي تؤكد أن الجهود النظامية المبذولة من قبل دولة العراق، طوال مائة سنة، كانت في سبيل إبادة الشعب الكوردي، وجميعها تدخل في باب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية" (ص/ 41).

فترة مأساوية مليئة بالممارسات اللا إنسانية، هدفها الوحيد الإبادة، مراحل متعددة من العمليات العسكرية استهدفت أكثر من (182,000) مواطن بريء من الكورد، مستخدمة كافة الطرائق لإبادة هذا الشعب، ولكن العزيمة والإصرار والإيمان، كلها مجتمعة، خلقت من رحم المعاناة شعباً أبياً ما زال قادراً على المواجهة. شعب ترسخت في عروقه معاني الحرية بأجل وأبهى صورها، فمن عميق ما حكاه لي صديقي الدكتور (قيس الرضواني) عن قراءاته للنضال الكوردي، أن الملا مصطفى بارزاني كان أصغر معتقل في سجون الدولة العثمانية، حيث اعتقل وهو طفل رضيع مع أمه وبعض البارزانيات، في محاولات من السلطات الطاغية استدراج  المناضل (عبد السلام بارزاني). ولأن النساء كنَّ مقيدات بسلاسل حديدية، ولأن الطفل الرضيع يحتاج إلى شخشيخة ليلهو بها، كانت أمه المناضلة تشخشخ له سلاسل الحديد ليلهو بها ويضحك. يقول الرضواني، لك أن تتخيلي ذلك الرضيع الذي يشخشخ السلاسل، هو ذاته من نذر نفسه ونفوس أبنائه لتحرير شعبه من كل السلاسل.

في الحلقة القادمة سنتطرق إلى جهود الشعب للحصول على حقوقه؛ بحسب ما رصده السيد (مسعود بارازاني) في كتابه (للتاريخ)؛ لنحكي عن الانتفاضة، وغيرها من الطرق المشروعة؛ لمحاولات الشعب الكوردي في الحصول على حقوقه المسلوبة.