رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

الصعود من القمة (الحلقة الأولى)

كان موعدي مع الدكتور قيس الرضواني على وجبة الإفطار، في حديقة بفندق (ماريوت) في (الزمالك). تأخرت عليه بسبب زحمة المواصلات التي تسبق مغارب رمضان؛ كواحدة من علاماته الدالة. ألقيته مشغولاً بقراءة كتاب يحمل عنوان (للتاريخ).استوقفتني علامة (صح) المنقوشة على غلاف الكتاب،

فوق لافتة مصبوغة بلون الدم الأحمر، لتعبر عن مآسٍ رافقت تحقيق هذه العلامة، فما كان مني في خضم التساؤلات التي راودتني وأنا في ذروة جوعي؛ بانتظار مدفع الإفطار، إلا أن أطلق سؤالي على صديقي؛ كقذيفة مفاجئة:
- من هو مؤلف هذا الكتاب؟
كعادته، وكأنني كنت جالسةً معه قبل دقيقة، واستأذنت لأغسل يدي وأعود، ودون أن يحرك الرضواني ساكناً، بل دون أن يلتفت إلي؛ وكأنه أراد أن يمنح الإجابة فخامة السكينة حين قال بهدوء وهو ينظر في وجه الكتاب:
- الزعيم (مسعود بارزاني).

 


وضع الكتاب على مقعد بجانبه، إذ كانت المنضدة تعج بأطباق الإفطار، وقام ليصافحني بعد غيبة شهرين منذ لقائنا الأخير، وبدل أن يسألني عن أحوالي ويطمئنني عن أحواله، وجدته يقول لي خلال المصافحة:
- إنه أحد أهم الشخصيات السياسية في تاريخ الحركة القومية التحررية الكوردية المعاصرة.
أردت أن أجاريه، ليكون اللقاء استثنائياً، غير تقليدي، بعيداً عن الملل، فقلت بكل اهتمام وأنا أشير إلى الكتاب:
- ولماذا علامة (صح) البارزة فوق العنوان؟
أجابني وهو يشير إلي بالجلوس على كرسي مقابل لكرسي الكتاب:
- من المهم أن يحمل الغلاف علامة (صح)، وهي الشارة التي يضعها الناخب على ورقة الانتخابات أمام اسم مرشحه، وهنا وضعها (كاكه مسعود) أمام الأحداث التي شهدها تاريخ المنطقة، فهو ووالده القائد الخالد (ملا مصطفى بارزاني) صُنّاع هذا التاريخ.
استوقفتني كلمة، فأردت الاستفهام عنها:
- ماذا تعني بكلمة (كاكه)؟
- في اللغة الكوردية تعني الأخ الكبير، المسؤول عن إخوته.
رفع الأذان معلناً موعد الإفطار، فكسرنا صومنا ببضع تمرات (عجوة)، تحرص فنادق الدرجة الأولى أن تضمنها في أطباق الإفطار، كون (العجوة) من أهم أنواع التمور التي اشتهرت بها (المدينة المنورة) في (المملكة العربية السعودية)، وجدت الدكتور الرضواني يبتسم ويقول:
- من الطريف أن نجلس في مصر، ونأكل من ثمار الحجاز، ونتحدث عن كوردستان العراق.
أبهرتني ملاحظته، ورحت أسأل بشغف عن التاريخ الذى سطره كاكه مسعود بدمه ومشاعره في صفحات هذا الكتاب، فهو - كما قال لي الرضواني سابقاً - قائد الأمة الكوردية الذي خاض غمار النضال منذ نعومة أظفاره؛ في سن السادسة عشرة، ضمن صفوف حركة التحرر الكوردية، بقيادة والده، في ستينات القرن الماضي، حتى وصل منصب رئيس الإقليم، بل وأصبح الأخ الرمز لكل الكورد، والرئيس الحلم، كما أطلق عليه شعبه الكوردي.
أخذت الكتاب وبدأت أتصفحه، صفحة تلو الأخرى، استوقفتنى الخارطة التى أراد الزعيم أن يبدأ بها كتابه، خارطة سلطة الإمبراطورية العثمانية في قارة آسيا سنة 1893م .
استأذنت الدكتور قيس في استعارة الكتاب لساعات، فقال ضاحكاً "لساعات فقط، وأعدك بنسخة خاصة مهداة إليك".
بدأت في رحلة داخل صفحات الكتاب للتعرف على تاريخ الكورد وواقعهم وبيئتهم وجذورهم من خلال رؤية قائدهم، وقلَّما تجد قائداً يكتب عن شعبه، إذ أننا ألفنا الشعوب تكتب عن قادتها. وحين وصلت صفحة إهداء الكتاب، أبهرتني العبارة: "إلى الذين لا ينحنون". وكيف ينحني من عاش عمره ينظر نحو قمة الجبل، جاعلاً إياه ملاذاً وعريناً يرسم حول سفحه أحلام الربيع القادم حتماً.
رصد كاكه مسعود معاناته من فكرة كتابة التاريخ الكوردي بيد الأجانب والمستشرقين الأوربيين، بوجهات نظرهم الخاصة، وليس من وجهة نظر الكورد عاشقي الحرية، ذوي التاريخ الحافل بالانتفاضات ضد المستعمرين منذ فجر تاريخهم في المنطقة، وهو الأمر الذى جذبنى لأستغرق في التاريخ الذى رصده الرجل الذي صارع طوال حياته لتنفيذ مشروعه السياسي، في النضال، وبدأ ينفذ الآن مشروعه التاريخي من خلال كتابته الأحداث من وجهة نظره كزعيم كوردي.
مقدمة بارزاني راصدة للواقع الذي يعيشه الكورد في العالم بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص، إلا أن ملامح كلماته سيطر عليها شعوره بالإحباط في التعامل مع حكومة (بغداد)، على مدى أكثر من عشر سنوات، بعد أن ساهم الكورد في إعادة بناء هيكلية الدولة العراقية الجديدة، على أسس التوافق والتوازن والشراكة الحقة في الدولة العراقية، ليخرق سؤاله عنان الصمت (لماذا هؤلاء غير مستعدين لقبول شراكة الكورد في الدولة؟)، محملاً الحكومة العراقية ما آلت إليه الأوضاع في العراق اليوم.
تساؤلات كثيرة طرأت على ذهني، فتاريخ النضال الكوردي الحديث يمتد لمائة عام، بعد تقسيمه وإلحاق جزء منه لتشكيل الدولة العراقية، وما تبع ذلك، ولكنني بدأت في تصفح محتويات الكتاب ووجدتها تجيب على تساؤلات كثيرة، وتطرح تساؤلات أكثر؛ أولاها فكرة تجزئة كوردستان، حيث تناول المؤلف لمحة تاريخية عن معركة (جالديران) ومعاهدة (زهاو) وتقسيم كوردستان بين الإمبراطوريتين. ولأولى مرة، يسرد الكتاب معلومة جديدة ومهمة في تاريخ نضال الحركة التحررية الكوردية؛ وهي لقاء الشيخ (عبد السلام بارزاني) مع القيصر الروسي (نيكولاي الثاني) سنة 1914، كما جاء في الصفحة (23)، مروراً بثورة أيلول وخطة إبادة الشعب الكوردي وصهره داخل دولة العراق، وكذلك الانتفاضة، مروراً بمؤتمر المعارضة العراقية وسقوط النظام السابق، وحرب داعش، وخيبة أمل الكورد في العراق الجديد، وزيارته إلى أميركا وبغداد وصولاً إلى الاستفتاء، راصداً ردود الأفعال والضغوط الدولية.
وجدته كتاباً قيماً، ووثيقة حقيقية مهمة للتاريخ، جاء في قطع من الحجم المتوسط في (353) صفحة، منها (124) صفحة للمتن، والباقي للوثائق والخرائط والملاحق المهمة، ومن ضمنها الأسس القانونية والدستورية لاستفتاء إقليم كوردستان العراق، ونص البيان الختامي لمؤتمر المعارضة العراقية في (لندن)، والوثيقة السياسية لضمان حقوق المكونات القومية والدينية في كوردستان، وإعلان المبادئ الدستورية. وكذلك فهرست الأسماء والعناوين والأماكن، إضافة إلى العديد من الخرائط الاستراتيجية؛ لكل مهتم بالشؤون الكوردية من الأكاديميين والسياسيين والقراء عامة، حيث جاء رصده أقرب لكتابة المذكرات، مستعيناً بصوره ووثائق لا يملكها غيره، لتوثيق تاريخ الكورد الحقيقي كما رآه.
بهذا العرض الموجز غاية الإيجاز لتقديم نظرة متوازنة، وتعريف بالكتاب الذي يعتبر بحثاً موضوعياً دقيقاً يقبله الجميع، وفي كل حلقة؛ نرصد جزءً مما رصده بارزاني بعيونه في كتابة (للتاريخ)، الذي استطاع من خلاله تقديم سرد تاريخي ينقل من خلاله المعلومات بدقة وموضوعية، بعيون قائد الأمة الكوردية.

 

إلى الحلقة الثانية