رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى قراءة طه حسين متعة خاصة، وقراءته تحتاج لأن تتروى وتتمعن فيما يكتب ولا يصح أن تقرأه دون أن تتأمل ما قرأت.. والكتابات العظيمة تفهم بشكل أفصل بعد مرور زمانها.. فى كتابه «المعذبون فى الأرض» فقرة استوقفتنى متأملاً لها تقول: (ودموع الناس قد ترى وقد تحس فيضيق الذين يرونها والذين يحسونها، ولكن دموع الأوطان والشعوب والأجيال لا يراها ولا يحسها إلا الذين اتيح لهم شىء من رقة القلوب وصفاء النفوس ونقاء الضمائر وتهذيب الطباع، وهؤلاء مع الأسف قليلون بل هم أقل من القليل).

أن تبكى هذا جميل.. فى البكاء يتخلص الانسان من الكثير من الانفعالات التى تعتمل فى داخله.. البكاء ليس ضعفًا ولا عجزًا ولكنه قدرة على التخفف والتخلص والاغتسال الذاتى كى يتمكن من مواصلة الحياة.. لأن البكاء لديه القرة أن يجعل الذات تعيد ترتيب نفسها لتبدأ من جديد أو لترى موطن الخطأ والزلل فتتسلح بالمزيد من القوة والصلابة لكى تواجه الحياة.

وقد يكون البكاء حزنًا على أمر ما أو ألماً على افتقاد أو خسارة ما وعدم التوفيق.. تتعدد صور وأسباب البكاء عند الانسان والبكاء قد يلاحظه الآخرون.. وقد لا تحب الذات أن تظهر ذلك البكاء فتبكى الذات مع نفسها وفى عزلتها.. هذا عن البكاء الفردى أو الذاتى للانسان.. هو معروف وهو مرئى وهو مألوف.. لكن الحديث عن (بكاء الأوطان) فذلك أمر غير متداول وهل للأوطان بكاء؟ وكيف نحدد بكاء الأوطان وإذا كان البكاء الذاتى هو نوعا من الخلاص من كرب داخلى، فهل بكاء الأوطان كذلك؟ بكاء الأوطان حديث يحتاج لدرجة كبيرة من الشرح والتوضيح والدخول إلى مكونات الوطن أو المجتمع والتاريخ واشارة طه حسين لبكاء الأوطان أو الشعوب أو الاجيال ينبغى لنا أن نقف عندها متداركين للأمر ومتداركين للقصدية منه!

 

وعلينا أن نلاحظ أن المفكرين والأدباء لديهم القدرة أن يلمسوا ويروا ما لا يراه الانسان العادى ولديهم القدرة على التعبير عن أمور قد لا تخطر على ذهن العامة من الناس وأظن وأعتقد أن تلك الفقرة بها الكثير من العبقرية فنجد طه حسين يقول دموع الأوطان.. والشعوب والاجيال.. فالدموع هنا جمعية وليست محددة وليست صغيرة ومقصورة.. إنها دموع وطن، ثم يقول دموع الشعوب فالدموع هنا هائلة وقوية ومؤلمة وقاسية، فعندما يبكى الشعب فهذا مرعب مجلجل ثم نجده يقول دموع أجيال، فهل يمكن لجيل أن يبكى.. جيل بأكلمه يبكى؟ نعم هناك فى عمر الأمم والشعوب أجيال وأجيال تتحمل التعب والمسئولية من أجل بناء الوطن ومن أجل اسعاد الأجيال القادمة، وكل ذلك أدركه طه حسين، فى ذلك الفقرة التى أوردها.

ويمكن القول إن الأوطان تبكى فى كل أوقات الأزمات التى تمر بها، فمثلاً مرور مصر بفترة الاحتلال الانجليزى خلال القرن الماضى هنا نقول بكاء الأوطان.. أيضًا هزيمة 67، نقول عنها إنها بمثابة بكاء للوطن وبكاء للأجيال.. وطيلة فترة الهزيمة كان الوطن يعيش فى حالة من المعاناة والألم حتى يتمكن من التخلص من هذا الكرب وهذا الهم، وفى الساحة العربية الآن نجد العديد من الشعوب العربية العراقى، السورى، الليبى.. شعوب عربية كثيرة تبكى وهذا البكاء وهذا الألم يتحمله جيل وربما أكثر من جيل حتى يتمكن الوطن من أن يزيل كربه وألمه. ما كتبه طه حسين فى القرن الماضى يتجسد فى الوقت المعاصر، وتلك هى القيمة وعبقرية المفكرين، وفى المقال القادم نكمل الموضوع.

 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال