من أيقونة سيد حجاب الخالدة فى ليالى الحلمية «من اختمار الحلم يجى النهار».
ما هو ظاهر جلى ينبئ عن عودة الروح إلى البشرية، روح ما بعد الجائحة روح شفافة، روح تحب الخير فى أهله وتكره الشر فى أهله، أهل الشر ستطحنهم الجائحة، وتلقى بهم هشيما تذروه الرياح، وأهل الخير يحلمون بغد أفضل.
تفقد البشرية فى هذه الأيام الحزينة جواهر تاجها، وخلاصة خبرتها، تفقد خبرة السنين، من وهن العظم منهم واشتغل الرأس شيبا، البشرية تودع فى موكب حزين عجائزها افترسهم الفيروس ونحن عنهم غافلون.
لم ترحم كورونا عجزهم، لم يكن هناك متسع لوداع يليق، عوضا دفنوا جميعا فى مقابر حزينة ستظل شاهدة على أرواح طيبة تحت الثرى تنبت أشجارا عالية، ترسم مستقبلا جديدا للبشرية، والصبر لنا، سلامًا على الراقدين فى القبور، والسلام على قلوبنا التى تفطرت بهم، معلوم «الموت لا يستأذن أحدًا، وسنكون ذكرى فقط، فاختر ذكراك».
ما بعد رحيل الأحبة، سيكون العالم أكثر شبابا، ستولد القارة العجوز من جديد، وتقول للمهاجرين هل من مزيد، ستفتح عواصم أوربا أبوابها التى غلقت دون حملة الأحلام والمواهب الواعدة، فى ريعان الشباب سترسم القارة العجوز صورتها على اليورو، ستشبب الجائحة المجتمعات العجوز، سيولد جيل أكثر مناعة، القارة العجوز ستمر بمخاض صعيب، مخاض العجوز فيه من الآلام الكثير، مولود باهر تنتظره أوروبا، أوروبا الجديدة ستفتح ذراعيها للحالمين.
ستفيق عواصم الشرق من نوم الأسطورة وتفيق من خمر الخرافة، وتتعافى من أفيون الشعوب، ستخلع رداء البهابيل وترتدى بلاطى الأطباء (جمع بالطو)، ستودع النصب وتتجه صوب العلم، ستقلب الآية الكاذبة، سترتقى الفنون والآداب، ستحكم العقول، سيقف العلماء فوق السحاب، ستغسل الشعوب أدرانها العقلية كما غسلت ثيابها فى الماء ممزوجا بالكلور، ستنقى عقولها من أثر حشيش الخرافة، ستتنشق شهيقا بأكسجين المعرفة، ستلقى بالجهل خلف ظهرها، وستخف إلى العلوم جميعا، ستودع الركون إلى استفاقة، فجرها أكثر إشراقا، فجر العلم والمعرفة.
والأمم العظيمة ستتألق فى أشعة شمس يوم جديد، أمريكا ستخرج من الأزمة أكثر تواضعا بعد أن ضربت الكورونا الغطرسة الأمريكية بأقصى من ضربة الإرهاب لبرجى التجارة، وفى الحالتين تكبدت عاصمة العالم الاقتصادية «نيويورك» الصدمة التى زلزلت قواعد الاقتصاد الأمريكى، وخلخلت أسس الديمقراطية الأمريكية، درس قاس، وسيعلم فى الجسد الأمريكى، وسترك ندوبا لا تزول بمرور الزمان، الأمريكيون سيعون درس الجائحة فى قادم الأيام، وسيتحسبون لها فى الشتاء المقبل بجهوزية أعلى طبيا وعلميا، واحترازات واحتياطيات ربما تفوق ما خزنته أمريكا من رؤوس نووية.
ستقف الصين فوق سورها العظيم ماردا عملاقا ملبية حاجات العواصم الطامحة، وسترتقى اليابان إلى قمة التكنولوجيا الكوكبية، وسيخلد بوتين اسمه كالقياصرة.
وستعود الريادة للمحروسة مصر التى صبرت على البلاء دون شكوى أو ضجيج، وسابرت حتى بلغت الشفاء من أثر الجائحة، من يخرج بأقل الخسائر يكسب كثيرا من أشعة شمس فجر جديد، وسترتدى الحرمين الشريفين حلتها السوداء المطرزة بالذهب، قبلة المؤمنين، وستذهب السعودية ما بعد الوهابية إلى خيرية، برزت فى مقترح الملك سليمان بمجمع مالى معتمد من العشرين الصناعية بستة تريليونات دولار لاحتواء الجائحة.
سيندثر اسم «ابن تيمية» من الوجود العربى والإسلامي، وسيبزع اسم «ابن رشد» وستتولى المدرسة الرشدية زمام العقل الدينى الإسلامى، سيكون عقلا رشيدا يذهب إلى إعمار الأرض كعبادة كما جاء فى محكم التنزيل، سيقلع المسلمون عن النقل إلى العقل وفى هذا فليتنافس المتنافسون، فالجائحة ستعيد تشكيل العقل العربي، سينفتح على الحضارة الغربية بلا عدائية سلفية مستمسكة بالنص تحكمه فى مستحدثات العلم والتكنولوجيا، سيضعف حديث البدعة والضلالة، إلى حديث «اطلبوا العلم ولو بالصين».
الفكرة الإخوانية ستسقط سقوطا ذريعا بعد أن سقطت فى معقلها الرئيس (مصر) بثورة 30 يونيو التى دقت مسمارا فى نعش تنظيم الإرشاد العالمى الذى لن يجد عاصمة يأوى إليها، البشرية ستواجه إرهاب الإخوان كما واجهت إرهاب كورونا، كلاهما فيروس خبيث، خطر داهم على البشرية، والحوثى فى اليمن ذهب إلى الضراعة والدعاء بعد أن ضرب الفيروس المراقد الشيعية ضربة مميتة فخلت من الشيعة كما لم تخل من قبل.
وستلفظ الخلافة العثمانية أنفاسها فى صدور الإخوان الأتراك، لم تعد أوربا وقد ذاقت ويلات كورونا لديها سعة صدر لاستيعاب الأطماع التركية، أوروبا التى ستتعافى بعد جهد جهيد وإنفاق هائل لن تقبل تبديد الجهد والوقت على أطماع انتهت بنهاية الدولة العثمانية فى الحرب العالمية، لم يعد لمثل هذه الإمبراطوريات الأيديولوجية الاستعمارية مكانا فى العالم، عجبا الجائحة تعيد تشكيل الخرائط جميعا.