رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

أسعدنى الحظ هذا الأسبوع بسماع صوت عمنا تاج الرأس عاشق مصر الكبير سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمى، الذى يحمل بين جنباته حباً أسطورياً للحجر وللبشر فى المحروسة.. فقد كان أحد الطلاب العرب الذين ارتبط وجدانهم بقاهرة جمال عبدالناصر وعصره الذى بدأ وانتهى وهو يحارب من أجل العرب ورفعه رايات العروبة وتحرير التراب العربى أينما كان وكانت إذاعة صوت العرب هى المرشد والهادى وهى المنارة التى أشعت بالنور والضياء فى أنحاء عالمنا العربى ومنحت كل مواطن عربى قبلة الحياة، التى أعادت القومية العربية إلى الحياة.. كان الشيخ سلطان القاسمى شأنه شأن كل عربى يستمع إلى صوت العرب وإلى قوة مصر الناعمة الخالدة من خلال نشرات أخبار أصبح مذيعوها نجوماً، ومن خلال تقارير كتبها أصحابها بعقول وقلوب معجونة بحب وانتماء لا مثيل لهما للأرض العربية واستمع إلى صوت أم كلثوم وعبدالوهاب وحليم وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وفريد الأطرش، وقد انصهر كل فنانى الأمة العربية فى بوتقة الكفاح والنضال بما يملكون من مواهب لنصرة إخوة لهم فى كل الجبهات العربية المفتوحة مع مغتصبى الحقوق والأراضى العربية.. كان الفنان العربى والمقاتل العربى فوهتين لبندقية واحدة هدفها تحرير الأرض.. ولأن مصر كانت وسوف تظل قائدة لنضال هذه الأمة، فقد كانت دوماً هى قبلة كل الأحرار فى أمة العرب فى نضالها المرير مع الاحتلال البريطانى، وقد أشعت مصر نورها واستطاعت أن تجعل كل العرب فى كل أنحاء الأمة مقاتلين فى حرب البقاء ومناضلين من أجل استعادة الحقوق.. أصبح الطالب النابه سلطان بن محمد القاسمى أحد جنود مصر فى تلك البقعة المنيرة المثيرة المدهشة من أرض العرب فى دولة الإمارات العربية المتحدة.. وتحول الطالب الذى سرت فى جسده تلك المشاعر المتأججة بكل ما هو نبيل تجاه الأرض والعرض ووهب نفسه وحياته من أجل الغاية الأسمى واتجه إلى القوات الشعبية لمحاربة الدول الأجنبية التى ناصبت مصر وناصر العداء واستطاع بعملية فدائية فريدة من نوعها فى ذلك الزمان وهذا المكان أن يدمر سرب الطائرات التى كانت تنشر الخراب والدمار فى كل مكان برزت فيه المقاومة أو خرجت منه ثورة أو انتشرت فيه فكرة الحرية ومنذ ذلك اليوم فى العام 1956 اعتبر الشيخ سلطان القاسمى نفسه جندياً فى جيش مصر العظيم وإن لم يكن يحمل السلاح فقد حمل ما هو أخطر من السلاح فى أوقات السلم.. وعندما انتهى من دراسته الثانوية لم يكن فى الدولة فى تلك الأيام أى صرح علمى جامعى، ولهذا سعى القلب وهفت الروح قبل العقل للذهاب إلى كعبة العروبة الخالدة أبد الدهر إلى مصر.. كانت الرحلة التى بدأت فى ستينيات القرن الماضى.. وفى كلية الزراعة بجامعة القاهرة وليس بعيداً عن النهر الخالد كانت وجهة الشيخ سلطان، حيث التقى الخيرين ومجمع الطيبين الموهوبين عشاق مصر  من الفنانين أمثال عادل إمام وصلاح السعدنى والمنتصر بالله.. الثلاثى الذى أصبح له فى عالم الفن والضوء المكانة الأخطر وفى عالم العرب المكان الأدفأ فى كل القلوب.. اقترب الشيخ سلطان من عادل وصلاح والتقت النفوس الطيبة المحبة للبسطاء الباحثة عن الخير دوماً.. المنتمية إلى الناس الحقيقيين الذين يملأون ربوع الجيزة فى أحياء شعبية لا مثيل لها فى الكون.. ومن الأشياء التى أذهلت كل من عرف الشيخ سلطان القاسمى أنه لم يتجه إلى شارع الهرم، بل إنه لم يطن حرفاً بالغناء فى أذنه طيلة بقائه فى المحروسة.. ولكن اختار الشيخ سلطان، كما هو الحال بعد ذلك وعلى الدوام، أن يقترب من ملح الأرض الذى هو طويل البقاء عظيم الأثر والنفع، إنهم الناس الذين نلتقيهم فى الشوارع والطرقات ونجلس إليهم فى المواصلات العامة ونجاورهم فى نادى البسطاء وهو المقاهى المنتشرة فى كل أنحاء الجيزة، نتبادل معهم الجديد من النكتة ونستمع منهم إلى الحكمة التى تنسال على ألسنة البسطاء منهم ولا أحد غيرهم وكأنهم احتكروا الحكمة.. نعم إنها الحكمة الشعبية التى اكتسبها أهل مصر عبر تاريخ بعيد فى تجربة بشرية لم يتح لشعب آخر أن يمر بها كما يؤمن الشيخ سلطان.. ولعلنى لا أبالغ لو قلت إن الشيخ سلطان الذى دفع الثمن غالياً لأنه اختار السباحة فى أعماق الشعب المصرى وهو طالب صغير فى الجامعة فلفت إليه انتباه العسس وتم استدعاء الطالب إلى المباحث للتحقيق معه.. وسؤاله عن كثرة تردده على الأحياء الشعبية فى الجيزة والصداقات التى تكونت بينه وبين البسطاء من أهلها والتفاف هؤلاء البسطاء حوله كل يوم جمعة بعد الصلاة مباشرة.. وهو الأمر الذى حرص الشيخ سلطان على أن يخفيه تماماً.. ذلك لأنه أصبح المصدر الوحيد للبهجة لهؤلاء الغلابة والبنك الذى يقرض الناس قرضاً حسناً بدون أن يسألهم رد القرض، لذلك كان المحتاج والمسكين وابن السبيل هم الذين يقصدونه بعد كل صلاة لكى يفك كرب أو يحل مشكلة أو يساهم فى تسهيل أزمة ويا سلام لما ساعة الحظ تأتى إلى صاحبها وتشير إليه بالبنان.. نعم كان هذا الشخص هو الحاج إبراهيم البواب النوبى.. الذى هو من بلاد اشتهر أهلها بعزة النفس والكرامة.. هذا الرجل وقف أمام الشيخ سلطان وكأنه يحقق معه ويعمل له كشف عيلة.. فقد كان الشيخ سلطان يبحث عن شقة للإقامة بها طوال سنوات الدراسة الأربع.. ولف على كل أحياء الدقى القريبة من جامعة القاهرة ولم يستطع العثور على ضالته المنشودة حتى بلغ سعيه إلى عمارة فخيمة بجوار مسجد عظيم البنان وبالقرب من قسم شرطة الدقى.. وكانت النفس تمنيه بأن يكون له نصيب فى السكن فى هذه البناية لولا عناد هذا الرجل النوبى الذى نفى أن يكون هناك خرم إبرة فاضى فى هذه العمارة، ولكن الشيخ سلطان علم أن هناك شققاً معروضة للبيع.. ومع كلمات الشيخ الطيبة النابعة من القلب ونبرات الصوت التى تحمل كل معانى المودة.. وجد الحاج إبراهيم نفسه أمام شخصية تستحق الاحترام.. وهنا بدأ القول.. إن الطلاب العرب بعضهم يصنعون أموراً تقلق السكان وتزعجهم وبعضهم يقوم بأعمال لا يمكن قبولها.. فقال الشيخ سلطان للعم إبراهيم يا سيدى جربنى.. والميه تكدب الغطاس وبالفعل أدرك الرجل النوبى أن أمامه شاباً يختلف تمام الاختلاف عن النماذج التى ذكرها وهكذا وافق على أن يؤجر له شقة بأحد الأدوار.. وراقب إبراهيم الشيخ سلطان.. فإذا بسلوك نموذجى يحتذى به.. وأدب جم.. وصوت خفيض لم يرتفع على الاطلاق مع أى مخلوق.. وشهامة يتصف لها أبناء البلد.. لم يرد طلباً ولا طالباً.. ولم يؤذ إنساناً طوال فترة اقامته.. ولم يشكُ فى حقه أحد.. كما لم يشتك من أحد على الإطلاق وفوق ذلك.. كانت السيدة الوحيدة التى تداوم على زيارته مرة كل سنة هى السيدة الفاضلة والدته وهى كلها أمور جعلت من الشيخ سلطان رجلاً محبوباً لكل من حوله.. حتى عادل إمام وصلاح السعدنى اللذان سبقا الشيخ فى سنوات الدراسة وأيضاً المنتصر بالله... كل هؤلاء النجباء ارتبطوا بالشيخ سلطان ورغم السنين الطويلة لا تزال أواصر الصداقة باقية قائمة تبقى وتقوى مع الأيام وكما كانت أياديه البيضاء ممتدة لكل من حوله وهو فى المحروسة فإن تلك الأيادى لم تنقطع من فعل الخير على الاطلاق لهؤلاء الذين دخلوا دائرة معارف الشيخ سلطان.. وقد صنع الشيخ لأهالى النوبة عبر بوابة هؤلاء وهو الحاج إبراهيم ما لم يخطر لهم ببال ولا خيال.. فقد أقام لهم صرحاً.. يضم بيتاً للضيافة يستقبل عدداً ضخماً من أهالى النوبة الذين يزورون القاهرة من أجل إنهاء مصلحة أو لزيارة  طبيب أو للإقامة المؤقتة وبنى لهم جامعاً فى الدور الأرضى ومركزاً طبياً للعلاج. ومكتبة مزدوة بكل ما بلغه العصر من تكنولوجيا.. وفى زيارته الأخيرة لمصر من سنوات قليلة أسدى للصحفيين المصريين واحدة من أعظم ما قدم إليهم من خدمات عندما وعد نقيبنا السابق الذى أعتبره واحداً ممن سبقوه ولحقوه.. عبدالمحسن سلامة.. أقول.. وعده الشيخ سلطان بإقامة مستشفى على أحدث طراز على أن يتكفل سموه بثمن الأرض وإقامة المنشآت وتوفير المعدات حتى يأمن الصحفى على حياته إذا ما تعرض لأى مكروه.

 بالتأكيد لو عدّدنا مآثر الشيخ سلطان سنجد أنه كان من أوفى الناس وأبر الناس بأمه الكبيرة.. الأم التى احتضنت العرب كل العرب وكانت ملاذاً للجميع فى أوقات المحن والشدائد.. وأصبحت هى مالكة أفئدة الجميع من مشرق الأمة إلى مغربها.. وهى إن صلح حالها.. صلح حال العرب أجمعين جاءنى صوت الشيخ سلطان وأنا أقدم لسموه واجب العزاء فى فقيد الشارقة نائب الحكم الشيخ سلطان بن أحمد القاسمى.

ومن الجيزة حيث ذكريات لها فى القلب أغلى المنازل.. وعن الناس الطيبين الذين جمّلوا الحياة فيها.. وعن العم الغالى صلاح السعدنى.. رفيق الدرب أو كما كان يحلو لشلة كلية الزراعة أن يطلقوا على أنفسهم.. رفاق السلاح وبالطبع الشيخ سلطان يعلم ما يجرى لصاحب القلب المفعم بحب تراب الأرض فى المحروسة العم صلاح.. الذى عرف قلبه حزناً لم يعرفه من قبل وانقطع داخله الأمل فى أى مستقبل وهو المؤمن بأن أجمل الأيام لم تأت بعد وأجمل الأولاد لم يولد بعد وأفضل الأحوال لم يحن وقته، وهو يشهد المحروسة تبحر دوناً عنها ورغماً من أنوف أهلها إلى عملية توريث يزكم رائحتها الأنف.. ثم تقوم ثورة تعيد الأمل وتحيى الابتسامة وتمنح الأحلام فرصة للتحليق إلى العلا. فإذا بالثورة.. وكما قال عمنا نجيب محفوظ.. يصنعها الدهاة.. وينفذها الشجعان.. ثم يكسبها الجبناء.. وجاءت نتائج ثورة 25 يناير على هذا النحو.. فقد كسبها الجبناء ودان حكم مصر لجماعة حققت أخطر عملية نصب واختطاف فى تاريخ البشرية.. اختطفوا دولة.. وشعبها.. وأعلنوا أنهم باقون 500 عام على الأقل.. فى تلك الأيام التى صنعت غلافاً حزيناً داخل سويداء القلوب تم تكريم العم صلاح فى مهرجان الإسكندرية الأخير بقيادة الأستاذ ممدوح الليثى، رحمه الله.. وذلك عن مجمل أعمال السعدنى.. حضرت المهرجان للمرة الأولى لأكون بجانب عمى وتاج رأسى صلاح.. وأسعدنى لحظة التكريم وشعرت بكبرياء يحتاج مسامى وأنا  أرتج لعاصفة التصفيق لفنان منح العملية الفنية إبداعاً له مذاق خاص، وحزنت وأنا أستمع للعم صلاح وهو يقول.. إنه ابن الحلم العربى الأعظم فى تاريخى ومسيرتى.. حلم الوحدة العربية والقومية العربية.. هوية مصر الحقيقية مصر الفرعونية القبطية الإسلامية التى هى خليط لكل ما عرف البشر من حضارة وعلم وفن ودين اتحدت جميعاً تحت إرادة هذا الشعب صاحب الحكمة العبقرية التى حفظته طوال التاريخ.. واليوم -والكلام للعم صلاح- أنا لا أعلم فى أى عصر أعيش ولا لأى هدف يمكن أن أستكمل مشوارى الفنى.. أنا فى عصر الضياع.. فى عصر اللا شىء.. اللا منطق.. مصر الآن.. وكنا تحت رحمة المرشد وارفع رأسك أنت مرسى - والإخوان.. يقول العم صلاح: مصر الموجودة الآن لا أعرفها ولا أشعر بأننى يمكن أن أتواجد بها أو معها وانطلقت عاصفة من التصفيق أنهى صلاح كلماته وكأنه قال كلمته الأخيرة والتى شعر بها تماماً الشيخ سلطان القاسى الفاهم العارف لطبيعة السعدنى.. استرجعنا هذه الذكريات ونحن نحمد المولى عز وجل،  وللحق أقول.. إن الشيخ سلطان القاسمى ليس هو الوحيد من أبناء هذه البقعة الرائعة التى تضم من البشر ما هو أغلى من كل الثروات.. لقد مر بنا خلال رحلة الحياة أناس هم من أعظم معادن البشر وليس هناك صنف نقى مشرق.. إلا ويتجه بقلبه وعقله ناحية المحروسة.. هكذا عرفت كل من زاملت من أصدقاء الدراسة فى دولة الإمارات فى العام 1975 وأصبح لهم اليوم مراكز الصدارة.. كلهم عشاق أوفياء لمصر حمدان بن مبارك وسلطان العتيبى والعشرات من الزملاء الذين كانوا خير من يمثل أهل الإمارات الدولة التى أخرجها إلى النور رجل عاش حياته لإسعاد بنى وطنه الصغير فى الإمارات.. ووطنه الأكبر فى عالمنا العربى.. ووطنه الأحب إلى قلبه فى مصر الشيخ زايد الذى كان بحق سنداً لمصر فى السراء والضراء.. وكان أبناء زايد خير خلف لخير سلف.