رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

أراها ظاهرة، بدأت تطفو على السطح، وتتغلغل بقوة غير محسوبة فى عمق الشخصية المصرية، فتنبش فى جذورها وتتلاعب بمكوناتها الأصيلة القائمة على توقير القيم والإعلاء من شأنها، وهى ظاهرة رفض أصحاب القيم.

ظاهرة بدأتُ ألحظها مذ فترة ليست بالقليلة، فبدأت تنتشر وبشدة مع بداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعى وانتشار المواقع الصحفية الالكترونية والتى أتاحت للجمهور التعبير عن رأيه أو التعليق على رأى الآخرين ونشره على الملأ، فأصبح من اليسير التعرف على رأى الناس وتحليل دوافعهم وتقييم منهجهم بل ودراسة أسبابه.

والظاهرة باختصار هى وجود فئة كبيرة من الناس ما إن سمعوا أو قرأوا أو شاهدوا أحداً يدعو لقيمة أو يُؤصل لسلوك قويم، أو ينشر خلقاً رفيعاً إلا وشرعوا فى إنزال الويلات واللعنات والاتهامات عليه، ويكأنه أتى بجُرم أو دَعَا لكفر أو نَادى بفجور، فيبدأون بالتقليل من شأن من يُنادون بالقيم، تشويه صورة من يَدْعُون للفضائل، والاستهزاء بهم أو الادِّعاء بأن ما يأتون به ليس خالصًا أو بريئًا من الأغراض أو مُنزهًا من المصالح، فهو بالنسبة لهم؛ قول حق أراد به صاحبه باطلاً.

ولانتشار هذه الظاهرة أسباب، أطرحها لكم، أولها هو غياب القدوة الحقيقية؛ وهو الشخص المؤهل علميًا وعمليًا للحديث والدعوة للخلق القويم، فبات ملحوظًا فقدان ثقة الجمهور فى معظم -لا أفضل التعميم- الهامات الثقافية والقامات الدينية والناتج عن إيمانهم الراسخ بأن ما يقولون به هؤلاء (الطبقة المثقفة) يفتقر إلى الواقعية، فلا يمت بصلة إلى واقعهم المرير، فإن نطق لسان حالهم فسيقول: هم فى برج عال، يكتبون لنا ولا يشعرون بآلامنا، يُحدِّثوننا عن العدالة ونحن محرومون منها، يُكلموننا عن الإنصاف ونحن نشتاق إليه، يطالبونا برفع الظلم ونحن نتوقُ لمن يرفع الظلم عنَّا، لا تُخاطبونا بحديثكم بل خاطبوا من أذلَّنا وقوّموه.

وثانيها، انتشار الفساد فى المجتمعات بشكل كبير، ومن المعروف أن الفساد والقيم بينهما صراع دامٍ لا يهدئ، فالاثنان لا يُطيق أحدهما وجود الآخر ويسعى دوما للقضاء عليه، ويتمثل الفساد فى عدة صور تتصدَّر المشهد فى نفس وعقل المُشكك فتجعله يرفض أى حديث عن القيم، فحينما يفشل أحدهم فى استرداد حقوقه، أو يُعاقب عقابًا لا يستحقه، أو يُعنَّف ويُغضّب عليه من رأيٍ قال به، أو يرى غيره يُكافئون دون استحقاق وهو يجتهد ولا يُنظَر لِكَدِّه، حينما يُخوَّن الأمين ويُطعن النزيه فى شرفه، حينما تتزايد الصراعات التى يدخلها مع الفاسدين وتنتهى بهزيمته لعلو مقام الفاسد وتنامى سلطاته التى تُنجيه من العقاب.

وثالثها، وذاك أكثر الأسباب انتشارا وهو تزايد أصحاب نظرية «كلنا فاسدون» فهؤلاء وجدوا فى فسادهم أغراضًا يصعب الاستغناء عنها فى سبيل القيم، وبدلًا من أن يتركوا ما هم عليه، تجدهم يسلكون مسلكًا أعظم شرًا وهو التشكيك فى أصحاب القيم وإلصاق التهم بهم، فيُعممُون نظريتهم وهى أن البشر كلهم مجرمون، فيستريحون من وخز ضميرهم بهذه الحيلة، فهم ليسوا منفردين فى حلبة الشر وبهذه الحيلة يُأمِّنوا أنفسهم من نداءات الأخلاق والقيم بإخراس أصوات أصحابها بعد التشكيك فى نواياهم والطعن فى ذممهم، وهؤلاء السُفسطائيون لا يستطيعون أن يطعنوا فى القيم ومضمونها أو أن يُنكروا أهدافها أو يُشكّكوا فى مدى صلاحيتها لسلامة واتزان المجتمعات لأن ذلك سيجعلهم يظهرون بشكل شيطانى كريه، فيلجأون عوضًا عن ذلك بتلك الحيلة الدفاعية والتى تسمى «الإسقاط».  

وهؤلاء ارتضوا بما يجنونه من غنائم جرَّاء أفعال تتنافى مع المبادئ، فمنطقى فَعلتهم فى رفض أصحاب القيم، وهذا ما يسميه علماء النفس صراع الدوافع والقيم، وهو صراع نفسى ناتج عن تعارض بين مكونين لا يمكن إرضاؤهما فى آنٍ واحد، لتساويهما فى القوة أو فى الحالة النفسية المؤلمة والتى تُنشئ هذا التعارض وهم دوافع الفرد وقيمه، كالصراع بين الشهوات والمبادئ، بين النزوات والضمير، بين المصلحة والحق، بين انحيازات الفرد وحاجته لاحترام ذاته، صراع شديد يحسمه الفرد بعد تفكير عميق، فيختار، فإمّا إشباع الدوافع أو إرضاء القيم.

وفى النهاية أقول: إِنِ استقام ميزان العدالة على رؤوس الأشهاد، وإِن حرص المجتمع كله على فرض القيم فى جميع مؤسساته فرضًا، وقتها فقط ستنتشرُ القيم بين الأفراد.

[email protected]