حكاوى
أواصل الحديث بصحبة الكاتب الكبير عباس حافظ الذى كان مبدعاً فى حديثه عن الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس ـطيب الله ثراه، فهو يقول قد شهد مصطفى النحاس بجانب الزعيم خالد الذكر سعد زغلول خطوبًا، واشترك معه فى محن، وتعرض معه للمعتقل والمنفى، واستهدف للآلام والحرمان، وكان مرتقبًا له بعد تلك المساهمة الأليمة أن يكتوى وحده بأشباهها أو أشد منه، مقدورًا عليه أن يخوض أشد حوالك السنين شقوة وعظم تجربة، لكى يتعذب مرتين، ويتحمل من الألم ضعفين، ويذوق من الخطوب مذاقين، وهو ما لم يقع للزعماء فى تاريخ الزعامة الوطنية مثله فيما نعرف من سير الحوادث، وقضايا الاستقلال. إذ كان كل زعيم فى الغالب يأتى فى زمن معين، ويظهر فى عصر بذاته؛ وكانت الزعامات تجىء على فترات انقطاع، ومهلات طوال، وانتظار فسيح المدى، فلا تقوم الصلة بينه وبين الزعيم الذى سبقه، إلا من بعيد، ولا تتماثل التجاريب فى عهديهما، ولا تتشابه الحوادث فى دوريهما، وإنما تتفاوت فى ذلك كله، وتتباين فى أشباهه وأمثاله، ليظل كل زعيم ممتحنًا غير امتحان سواه، ويروح كل قائد أمام ظروف خاصة به، على قدر تناوله لها، ومكافحته إياها، ومقدار صبره عليها، يروح مبلغ استحقاقه لمكانه، ومطمئن فى موضعه، ونصيبه من الفوز، وسهمه من النجاح والتوفيق.
ولكن مصطفى النحاس جاء أولاً آخذًا عن سعد، قبل أن يتولى الأمر بنفسه؛ ثم آخذًا ثانيًا عن نفسه، بعد أن وكل الشأن إليه ـ وهذا نادر فى الزعامات؛ لأنها لا تتلاحق هكذا، أولاً يندمج بعضها فى بعض على هذه الصورة، ثم تتقارب فى المعالم وتتشابه فى الصفات واللوازم، على هذا النحو الغريب، ولكن كذلك كانت تصاريف الأقدار الرحيمة الحانية على مصر، الناصرة لها، فقد أبت أن ينشأ الزعيم الثانى على إيمان عظيم وثقة كبيرة بصاحبه، وولاء صادق له، وحماسة متقدة للغاية التى يعمل لها، والقضية التى يدافع عنها حتى لقد خشى الإنجليز حين بويع فى موضعه من وقوع الرياسة له، خيفة مما وصفوه من أمر «تطرفه».
يرحم الله الزعيمين خالدى الذكر.