وفاة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان الاسبوع الماضى استدعت ذكريات تعود لأربعين عاما مضت فى مطلع حياتى العملية، فقد امضيت أربع سنوات فى العاصمة العُمانية مسقط بين عامى 1980- 1984 حيث اوفدت مع زملاء لى إلى هناك لتطوير تليفزيون عُمان وبشكل خاص إحداث نقلة نوعية فى إدارة الاخبار فى اطار تفعيل بروتوكول التبادل الاعلامى بين مصر والسلطنة، حيث كانت العلاقات المصرية العُمانية تتميز - آنذاك ومازالت - بخصوصية فقد كانت الدولة العربية الوحيدة التى احتفظت بعلاقاتها بمصر فى وقت كان يسود ما يعرف بالقطيعة العربية لمصر بسبب توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل ما أدى إلى انتقال الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
ويرى العُمانيون أن مصر قلب العالم العربى النابض ولا مستقبل للعرب بدون الريادة المصرية وتشعر بالود تجاه كل من هو مصرى بمجرد الوصول إلى مطار السيب الدولى القريب من العاصمة مسقط وتعتبر عُمان من اكثر الدول العربية المحافظة وتحرص دائما على حالة التوازن فى علاقاتها العربية والدولية وظلت تحتفظ لسنوات بدور الوساطة فى كثير من المنازعات العربية العربية لاسيما بين دول مجلس التعاون الخليجى، ولهذا تمتع السلطان الراحل باحترام وتقدير جميع الاطراف سواء اتفقت أو اختلفت مع مواقفه.
ويتمسك الشعب العُمانى بتقاليده الخاصة، ومنها التقسيم الهيراركى الهرمى للدولة وبحكم العمل فى الأخبار يعتز العُمانيون بذاتيتهم دون تعال أو تكبر وعليك أن تتعامل معهم وفق هذا الاسلوب وأن تتفهم طباعهم.
وعندما تتعامل مع الاشقاء فى عمان تجدهم يعشقون التاريخ والشعر والتراث ولهذا ليس غريبا أن تجد تمازجا بين الثقافة والموروث التراثى فهم يعتزون باصولهم التى تجمع اكثر من قومية متناغمة العربية والأفريقية، حيث كانت زنزبار فى شرق القارة الافريقية جزءا من سلطنة عُمان فى بدايات عهد أسرة آل سعيد ولهذا لا تعجب عندما تشاهد فى المدن العُمانية مسقط ومطرح ونزوى وصور وصلالة وصحار من يتحدث باللغة السواحيلية إلى جانب اللغة العربية وتوجد بها طائفة تعيش فى منطقة مطرح تسمى اللواتيا وتعتنق المذهب الشيعى، أما أغلبية العُمانيين فتعتنق المذهب الإباضى نسبة إلى عبدالله بن إباض غير أن الجميع ينصهرون فى بوتقة واحدة الانتماء للدولة العُمانية ذات الاقتصاد الناهض ويرى العُمانيون أنهم احفاد البحارة الاوائل الذين وصلوا بسفنهم الشراعية التقليدية إلى الصين شرقا واقاصى افريقيا غربا امثال (أحمد بن ماجد) الذى ولد عام 1430 ميلادية - 821 هجرية فى منطقة جلفار ويعتقد انها منطقة رأس الخيمة التى أصبحت احدى الامارات الست المنضمة إلى دولة الامارات العربية المتحدة.
وقمت خلال عملى بتليفزيون عُمان بإنتاج تقارير استقصائية، منها حول السفينة الشراعية (صحار) التى قامت برحلات من ميناء صور إلى سواحل الصين على غرار رحلات ابن ماجد وكنت من اوائل الصحفيين الذين تابعوا بناء اول جامعة فى السلطنة وهى جامعة السلطان قابوس فى مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، كما وثقت فى تقارير اخرى لبعض معالم النهضة العمانية مثل تطوير الموانى والمتاحف ونظام الافلاج المائى والصحافة فى عمان. رحم الله السلطان قابوس ووفق الله خلفه ابن عمه السلطان هيثم بن طارق آل سعيد وكان يعمل بوزارة الخارجية عندما كنت فى عُمان.