عندما قال جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازى إبان العهد الهتلرى فى المانيا «أعطنى اعلاما بلا ضمير أعطك أمة بلا وعى» كان محقا لما للإعلام من دور فى تشكيل وجدان الجمهور سلبا او إيجابا وقد لعب جوبلز على فكرة الالحاح لتصديق الكذب ولهذا قال كلما كبرت الكذبة كان تصديقها اكبر لدرجة انه قدم فكرة شريرة وهى كيف تجعل من المتلقين جمهورا من الدهماء الذى بالتدريج يصبح قطيعا تتحكم فيه كيفما تشاء؟ إن رؤية جوبلز المغرضة للاسف ظلت رغم مرور عشرات السنين تسيطر على بعض صانعى السياسات الاعلامية وعليه كان من الطبيعى أن تخرج افكار ونظريات تقول عكس طرح الدعاية النازية تعتمد على تقديم الحقائق المدققة بواقعية وموضوعية وبشكل يوقظ وعى الامة ويحقق الادراك ويصنع الوجدان على نحو سليم من خلال الرسالة الاعلامية وهنا يمتنع الكذب ويعجز الكاذبون عن الوصول لفكر المتلقى.
ولو تابعنا ما يقدم من برامج ودراما واخبار فى وسائل الاعلام نجد فيها ما يفتقر إلى الضمير بل دعونا نقول بلغة الإعلام إن كثيرا منها قد غابت عنه المهنية وفى كل الاحوال نقصد هنا بكلمة الضمير شرف وأمانة المهنة أو اخلاقيات الإعلام ومثله مثل أى علم تطبيقى إذا غاب عنه جانبه الأخلاقى فقد مساره وضل طريقه.
ونتناول بالتحليل بعضا من نماذج غياب الضمير فى الإعلام ونبدأ ببيع وقت الهواء لمن يدفع وهنا المسئول عن الوسيلة الاعلامية يغض الطرف عن المحتوى الذى يقدم ولا يعنيه هل مقدم البرنامج مؤهل لأداء هذه الوظيفة ام لا، فإذا حاولت البحث عن سمات السياسة التحريرية لتلك الوسيلة تكتشف انك امام كوكتيل من القيم المتناقضة والثقافات المتعارضة كذلك من الظواهر المستحدثة أن يتحول المذيع إلى محاضر أو ناشط سياسى ويظل يتحدث بالساعات ليفرض على المتلقى وجهة نظره وهنا تتحول القناة إلى منبر دعائى ومنصة لفرض الافكار الشخصية سواء كانت سلبية او إيجابية واحيانا كثيرة لتصفية الحسابات بين الجهات، كما نلاحظ أن الدراما اصبحت ايضا تخاطب الغرائز وتروج الفحش من القول والفعل وتكرس ثقافة العنف والكراهية.
وان كنت ارى أن من اخطر امراض الاعلام تسلل طبالى الزفة إلى القنوات على طريقة محاكاة الدب الذى قتل صاحبه واخيرا من اسوأ صور الاعلام أن تفقد نشرات الأخبار قيمها التحريرية وتطوع للترويج والدعاية وتبتعد عن الانية فى تغطية الاحداث.
هذه الأمثلة وغيرها تؤكد أن جوبلز لم يكن مخطئا عندما طرح فكرته التى جاءت بشكل صادم لكنها هى الحقيقة التى يجب مواجهتها لكن يبقى السؤال كيف يمكن تجنب الافكار السلبية فى الاعلام بمعنى البحث عن اسباب غياب الضمير الإعلامى وكيفية إنقاذ الوعى الأمة؟ أعتقد أن الاعلام والتعليم وجهان لعملة واحدة اسمها بناء وعى الانسان، حيث يخاطبه الاول ويطلقه من عقاله الثانى إلى أبعد الافاق وكلاهما من العلم بكسر العين ويعنى المعرفة واصلهما الفعل عِلم بفتح العين لكن الاول يُعلم بالإخبار والثانى يُعلم بالاستيعاب والتكرار الاول يأتى اليك والثانى تذهب إليه فإذا نجحت الامة فى مزج الاعلام بالتعليم فإنها تفتح طريقا للتنوير وهو تنمية الادراك بقيم إعمال العقل!