رؤية
لقد شهدت الممارسات السياسية فى التجربة الليبرالية التى عاشتها مصر مع النصف الأول من القرن الماضى، أن فقد القيادى الوفدى الأشهر مكرم عبيد دائرته الانتخابية حين خرج من حزب الوفد، مما يعنى أن نفوذه لم يكن لكونه قبطيًا وله عائلة كبيرة، بل لكونه ينتمى إلى حزب سياسى قوى له وزن فى الشارع المصرى آنذاك.. وهكذا كانت تدار الانتخابات بصرف النظر عن ديانة المرشحين.. فهل تُعيد قيادات حزب الوفد الجديدة ملامح ذلك الزمن الجميل؟!..
لقد سبق وكتبت فى مساحتى « رؤية » تحت عنوان «ومن يفعلها غير الوفد؟».. قلت: «إننى ألوذ بحزب الوفد وهو يعيش أصداء بداية جديدة مبشرة أن يسارع رموزه وقياداته لإعلان مشروع وطنى متكامل فى مواجهة من يعبثون بسلام الوطن وأمنه»..
قد تكون البداية بإعداد مشاريع قوانين لمناهضة الفكر الطائفى المقيت، ورفض التمييز الاجتماعى والدينى على حساب الهوية الإقليمية أو الجنسية.. لم يعد كافيًا رفع شعار الهلال مع الصليب دون وجود داعم لإنشاء ثقافة وطنية سائدة يدعمها نظام تعليمى متحضر، ونسق إعلامى مُحفز للعمل والعيش الواحد المشترك بين أبناء الوطن الواحد»..
اليوم، وقد أعلن رئيس الحزب عن معاودة تجرية تشكيل حكومة وفدية موازية، أجدها فرصة لتجديد الدعوة، وأن تشمل أهداف الحكومة تبنى ودعم ذلك التوجه الأصيل للحزب العريق، وإعادة العمل بجدية فى دعم فكرة إنشاء هيئة «مرصد المواطنة» والمعنية بقضايا المواطنة والمشاكل ذات البعد الطائفى، تضم عددًا من قيادات الحزب من أصحاب الخبرات الطيبة فى مجال دعم قضايا تحقيق المواطنة الكاملة، لتكون بمثابة أداة جديدة للحزب لمحاولة تحقيق مبدأ المواطنة، حسبما كشف وقال مصدر قيادى بالحزب..
لا ريب، بأن تشكيل حكومة ظل من جانب أكبر حزب معارض على أرض المحروسة، سيسهم فى دعم جهود الحزب بشكل منهجى ومنظم لمتابعة ومراقبة ووضع البدائل العلمية لحل مشاكل الوطن..
وأسعدنى تأكيد قيادات الحزب على أن حكومة الظل تعد آلية سيستخدمها الحزب لدراسة أوضاع الوطن ومراقبة تصرفات الحكومة الموجودة فى السلطة ورصد ما يصدر عنها من قرارات وتقييمها وتحليل ما ترتب عليها من سلبيات أو إيجابيات ثم تقديم الحلول لمعالجة المشكلات الآنية، وأن تشكيل الوفد لحكومة الظل ينفى ما يردده أشاوس تصريحات الرفض لأى فعل سياسى هام من جانب الأحزاب القديمة الكبيرة، فقد قرر الوفديون أن الهدف من تشكيل حكومة الظل ليس الحصول على مناصب أو تحقيق شو إعلامى أو المظهرية..
يعتبر (مونتسيكيو) أن الدولة المدنية هى الدولة التى يتم فيها فصل السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية والقضائية) عن بعضها بطريقة تضمن استقلال كل منها عن بعضها. إلا أن هذا المفهوم يصبح قاصرًا إذا ما عرفنا أن تجارب شتى لم تضمن استمرارية استقلال السلطات ما لم تقترن بجملة تشريعات ترسخ المفهوم المدنى للسلطة لعل أبرزها هى عملية فصل الدين عن الدولة وهو ما عرف بالعلمانية بما يضمن حياد كافة أجهزة الدولة إزاء الأديان والطوائف جميعًا التى يتكون منها المجتمع على أن تكون علمانية الدولة ضامنة لحق معتنقى الأديان كافة فى ممارسة كافة شعائرهم وحقوقهم بدون مساس بالآخرين أو تجاوز على حقوقهم ومعتقداتهم.