هموم مصرية
هل نحن هكذا دائماً: ننجح فى عظائم الأمور.. ونفشل فى صغائرها؟! وهل نحن دائماً ـ كما قال جمال عبدالناصر ـ ننجح فى الأعمال الكبرى.. مثلما نجحنا فى بناء السد العالى، ونفشل فى الأعمال الصغرى، مثلما عجزنا عن إدارة مستشفى قصر العينى زمان، ولذلك احتار عبدالناصر عندما أراد تكليف مصرى ناجح ليشكل حكومة مصر، فاحتار الرجل فيمن يختار بين العبقرى محمود يونس الذى أدار معركة تنفيذ قرار تأميم شركة القناة أو يقرر اختيار صدقى سليمان الذى نجح فى تنفيذ مشروع السد العالى.. ولكن لماذا هذا الكلام الآن.. أم هو بمناسبة عجزنا ومن سنوات عديدة، عن حل مشكلة القمامة، تماماً كما عجزنا عن مواجهة قضية منادى السيارات الذى يتحكم فى شوارعنا.. أو فى قضية مافيا المتسولين التى يراها البعض عملية عطف وإحسان على الفقراء.. وأخيراً ظاهرة «تجارة الطب الحديث» عبر قنوات التليفزيون.
هى قضايا كبيرة وإن بدت صغيرة.. وبات أمر مافيا المنادين كأنه أمر يصعب السيطرة عليه.. والسبب: غياب السلطة عن الشارع المصرى، إذ نجد أغلبية المنادين هم الآن من فتوات البلطجية، يفرض الواحد منهم سطوته وسلطته على منطقة يعتبرها ملكاً له، أو امتيازاً انتزعه بقوته وعضلاته.. ويا ويل من يعترض من السائقين، إذ يصل الأمر إلى قطعة خشب بمسمارين تحت العجل غير منظورة.. أو قطع خرطوم زيت الفرامل.. أو تعجز عن الخروج بسيارتك إن وقفت رغماً عن المنادى.. وهو غالباً لا يظهر إلا عند المغادرة.
وعجزنا عن تقنين هذه الأوضاع، رغم أن العواجيز منا يتذكرون المنادى- «أبونحاسة»- الذى كان موجوداً زمان.. أو من يتذكر عدادات الانتظار ورسومها تذهب إلى البلدية.. المتبع عالمياً، فى الدول المتحضرة.. والقضية هى كل تلك السطوة التى يفرضها المنادى الآن.. بينما شرطة المرور تتكاسل وتقف متغافلة عن تجاوزات كل الماندين.. بل صارت شوكتهم أكبر من سلطة الدولة، وبات لكل بلطجى، أو منادٍ، منطقة نفوذ يفرض الخدمة فيها- إن كانت خدمة- بالثمن الذى يفرضه. وليس أقل من 20 جنيهاً للمرة الواحدة.. والطريف أن منا من يبخل عن دفع رسوم إيقاف السيارة فى الجراجات التى تقيمها الدولة.. وتجد نفسها مضطرة إلى دفع المعلوم لبلطجى كل شارع!!
< ولا="" نقول="" بقطع="" عيش="" أى="" إنسان-="" إن="" كان="" إنساناً-="" ولكن="" لماذا="" نتفرج="" دون="" أن="" نحاول="" تقنين="" أوضاع="" هؤلاء="" المنادين="" على="" الأقل="" لتحديد="" المسئولية="" فيما="" لو="" وقعت="" جريمة="" لإحدى="" السيارات="" الواقفة..="" لأن="" المنادى-="" هنا-="" هو="" أول="" الهاربين="" من="" هذه="" المسئولية،="" والويل="" لأى="" سائق="" يرفض="" هذه="" الإتاوة..="" إذ="" يجد="" نفسه="" محاصراً="" من="" زملاء="" البلطجى..="" ولا="" تسمع="" الا="" تعبير="" «وتاكل="" حق="" الراجل="" ليه..="" يا="">
وكما نجد فى عالم المتسولين.. نجد فى عالم المنادين.. أسراً وراء أسر تتولى هذه المسائل.. ولا تتدخل الدولة إلا لمجرد تسيير الشارع مهما حدث من جرائم بطلها هذا المنادى أو ذاك.. ونظرة يا حكومة إلا إذا كان ذلك خارج عن إمكانياتها!!