رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

أسعدتنى الدكتورة إيناس عبدالدايم بتوجيه دعوة لشخصى الضعيف بحضور حفل تكريم الصديق الجميل محمد منير بدار الأوبرا، وقد مضى على معرفتى بهذا الفنان غير المسبوق أكثر من ثلاثة عقود من عمر الزمن، وهو من نوع عجيب من البشر فاذا تكلم حتى فى أبسط الأمور يجذبك من أسماعك ويشدك إليه بكل  حواسك ويجعلك فى الوضع مستمرا مستمتعا بحديثه. فهو يملك صوتا محببا الى الاذن اذا تكلم اخترق كل الحواجز واتجه دون مقاومة  نحو القلب، لم أسمع محمد منير مرة واحدة يعيب فى احد من مخلوقات الله أو يعادى حتى هؤلاء الذين انتقدوه، بل كان العكس صحيحا. فهو صاحب قدرة على ان يحول العدو صديقا وأن يحفظ للصديق مكانه فى سويداء القلوب.. كان «منير» يقيم فى أماكن متفرقة، فهو يعشق التنقل كأنه فراشة تطير بين مختلف أنواع وألوان الزهور. فأحيانا يسكن فى وسط القاهرة فى حى جاردن سيتى وأيام  تجده فى المهندسين فى البناية المقابلة لمنزل العم الغالى صلاح السعدنى ومرة ثالثة يحط الترحال فى مدينة اكتوبر حيث لجأ معظم أهل الفن الذين اقاموا بمحافظة الجيزة.. وهو ايضا كالفراشات فى مجال الطرب سنجده يمزج بين ثقافات الشعوب الموسيقية وكأنه صاحب رسالة لتقريب هذه الأمم عاطفيا عبر أجمل لغة عرفتها الانسانية وهى الموسيقى. اتجه الى افريقيا بإيقاعاتها الراقصة، ولم يكتف بهذا  الأمر ولكنه تحول الى العالمية عندما  اتجه الى المانيا  وأدخل آلات غربية امتزجت مع الشرقى  منها فى تناغم، ما كان ليلتقى إلا على ضفاف حنجرة محمد منير. ضعاف  دى من منشآت أستاذى وملاذى مفيد فوزى  ولذلك  انطلق محمد منير  الشديد المحلية.. ممثل أهل النوبة الأعظم فى عالم الموسيقى والغناء إلى العالمية ومن هنا ستجد موسيقى الماني يصاحبه وعدة عازفين من مختلف الأقطار اجتمعوا حول حنجرة ذهبية وعقل انقى من أرقى أنواع الماس عقل يفكر ويطور ويقود الموجة الى عوالم جديدة ويخوض فى بحار التجربة والمعارف وكأنه فاسكو دى جاما ليكتشف ويطور ويصل الى ما يشبه الاعجاز الذى يبهر الجميع سواء من الناطقين بالعربية أو بغيرها. اقتربت بشكل مرعب من هذا الكيان الدائم الاحتراق المشتعل من أجل أن ينير للآخرين دروب السعادة. كان ذلك فى مسرحية  الملك هو الملك على مسرح السلام فى شارع قصر العينى والذى يبعد خطوات عن مؤسسة روزاليوسف. فكنت لا أذهب الى عمل بالمؤسسة بقدر ما أتواجد مع العم والانسان والمفكر والعبقرى والفنان الذى اجتمعت فيه كل الخصال الحميدة العم صلاح السعدني.. ونندهش بشكل يومى من أداء هذا المعجون بالفنون والجنون محمد منير.. كانت سعة المسرح صغيرة بالقياس للمسارح الأخرى، ولكن فى كل ليلة كان هناك حشد مرعب من الشباب وجدوا أحلامهم وآمالهم يجسدها هذا النحيل النحيف الذى يشبه السلك الكهربى، ومع ذلك فإنه قادر على توصيل اعظم طاقة كهربية تشعل هذا المسرح وتتدفق فى قلوب ووجدان المحيطين به، وكأنهم يشحنون وجدانهم ويرتفعون بآمالهم ويلقون بهمومهم مع هذا القادم من أعماق النوبة حاملا رسالة ورافعا راية طالت الانظار.. فقد ضلت الطريق وكادت تصبح من الماضى مع آخر من حملها  وارتفع بمقامها خالد الذكر صاحب توكيل السعادة الفنان الذى نحسبه نتوءا خرج من تضاريس مصر وعالمها العربى عبدالحليم حافظ. نعم كان هذا الفتى الذى سكنته نفس  «السمرة» التى كانت للعندليب ووجه المولى عز وجل حنجرة تشعر معها أن ماء النيل القى فيها بكل ما يحمل من عذوبة وأن الأرض الطيبة السمراء منحته لونها وكأنها أم تحتضن وليدها الذى يرفع أعلامها فى كل أركان المعمورة.. كان منير زعيما ثوريا ادواته حسن اختيار الكلمات .. فالكلمة.. هى القاعدة التى ينطلق منها صاروخ الفن سواء كان عملا دراميا أو غنائيا.. كانت القاعدة التى اختارها منير فيها الكثير من اسمه.. فهى أيضاً منيرة مشرقة متألقة متأنقة.. إيه يا بلاد يا غربية.. عدوة ولا حبيبة.. كل من استمع اليها فى غربته من المحروسة كانت القلوب تبكى دمعا .. ودما معاً.. بعد أن هجرات أعداد غير مسبوقة من أهل مصر الى انحاء العالم العربى وهى أمور لم يعتدها أهل مصر. فالمصرى كما الشتلات المرتبطة بالأرض لا تستطيع أن تخرجه منها ولا أن تخرج مصر منه، غنى من أجل طعن الخناجر التى مررت حياة المصريين ولا حكم الخسيس فيهم.. تحول الى عبدالله النديم يجوب بكلماته وصوته و موسيقاه  ربوع مصر فيحدث ما يحدث من نفوس الشباب لدرجة أن تقارير ارتفعت فى مكاتبات سرية تدعو الى منعه من الغناء بعد أن انتشرت جموع الشباب الساكن من خلفه وحوله  وأصبح منير يشكل خطرا على نظام حكم سابق وجد فى الغناء والحالة التى يمثلها هذا العبقرى نوعا من التهديد.. وكانت حالة العشق بين منير وجماهير فنه تتواصل فى فترات متقطعة عبر وسائل  للتلاقى منها الاذاعات ومنها  الـ سى دى ومنها ما يسمح به فى حفلات مسجلة ويمضى وقت من الزمان وتذهب أمى الحبيبة الى رحاب ربها، وأجد محمد منير أمامى فى منزلى ليقوم بواجب العزاء وكأننا نتمثل الجمال.. نجتر أجمل ذكريات العمر وأكثرها اشراقا ايام «اللوكيشن» وأيام شارع أحمد عرابى وجاردن سيتى  والعباقرة فريد شوقى وابراهيم عبدالرازق وفرغلى وبكر عزت وأسامة أنور عكاشة واسماعيل عبدالحافظ.. تذكرنا كل المبدعين الذين عشنا فى زمانهم واستمتعنا بوجودهم واستعرضنا ما جرى من أحداث وأحوال بعد مبارك ومجيء هذا الغم الأزلى الذى حط فوق رأس مصر متمثلا فى تنظيم الاخوان المسلمين يومها قال لى منير: أنا كنت باغنى يا أكرم علشان اليوم اللى الشاب يكون فيه مالك لزمام أموره ومستقبله ولكنى حزين لما وصل اليه.. انا لم أغن من أجل  وصول هؤلاء وتذكرنا  أجمل ما فى العمر من أيام ولمعت عيوننا أسى ورحمة على ذلك الزمان.

ومضت أيام وشهور وكنت أرى بها منير نادرا حتى جاء التكريم الذى يستحق هذا المبدع العبقري.. وهناك وقبل أن يبدأ الحفل.. جلست أتأمل الحضور فإذا بى إذا جاز التعبير يجذبنى، استاذ له بصمة فى عالم الصحافة وله فضل على شخصى الضعيف وله أيضاً افضال فى مجال الاعلام المرئى هو المتميز المتألق المدهش المتجدد مع الزمن مفيد فوزى والى جانبه السيدة آمال عثمان وبجوارهما شاعرنا الكبير فاروق جويدة ومجموعة من الاعلاميين لميس الحديدي.. وإحدى جميلات الشاشة ريهام ابراهيم صاحبة الألف وجه وكل وجه اجمل مما يسبقه ويليه الكاتبان الصحفيان الاخوان مصطفى ومحمود بكرى وشباب فى عمر الورود  وسيدات محجبات وسيدات بلا حجاب وألمح ابراهيم عيسى وبثينة كامل بين الحضور والسعادة ترتسم على الوجه  لمجرد الاشتياق  والانتظار لصاحب البهجة. لقد حضر ممثلو شعب مصر بدون استثناء من فنانين ومبدعين وشعراء وصحفيين وشباب وشيوخ ثم وقبل ان يبدأ الحفل.. حضر دون ضجيج وبلا حراس..  رجال من رجال مصر الأوفياء إنه المشير الأخطر فى كل تاريخ  هذا البلد المشير محمد حسين طنطاوى الذى حضر ليتوج هذا الحضور الطاغى لممثلى شعب مصر الذين لا يزال الخير يسكنهم ولا يزال الذوق الرفيع هو همهم والباعث على إسعادهم والرافع لمواصلة الحياة لهم..

بمجرد وصول المشير وقف الحضور تحية احترام وتقدير للرجل الذى حفظ لنا المحروسة فى واحدة من لحظات الخطر الداهم لهذا البلد العظيم. استقبل المشير بعاصفة من التصفيق ومضى الرجل ليجلس فى  صفوف متأخرة وسط اصدقائه ليذوب الكل فى هذا الصوت المخملى ويعود بنا منير الى ليلة من ألف ليلة  تجلى فيها كما لم يحدث من قبل فى ليلة البهاء المنير، ولتنطلق صيحات وآهات من قبل الحضور  ليكسر منير الحاجز أو الحائط الوهمى يحيى جمهوره أحيانا ويشيد بالفنانة الجميلة قبل أن تكون الوزيرة ايناس عبدالدايم ويرد تحية الجمهور ويتحدث عن حلب الشهباء فى الغالية سوريا وعن المملكة العربية السعودية وعن عباقرة الالحان ومنهم عمنا الموجى المعجون بتراب وهواء وماء مصر وتنتهى كما هي الأشياء الجميلة الممتعة حفل  منير وكأننا بين غمضة عين والتفاتتها تنتهى الليلة واذا بنا نشحن بطاريات الأمل ونستعيد الثقة فى ذوق فني رفيع لا يزال اهل مصر يقبلون عليه.. واذهب الى حيث غرفة منير فى الكواليس وكنت فى  حاجة الى بودى جارد لكى اتقى شر الضربات والنطح والنزال الكل تجمع حول الغرفة فأصبحت أشبه بعش للنحل كل الناس تدور وتلف حول باب الغرفة فى محاولة للدخول بقوة العضلات ووفقنى الله فى الوصول الى منير وسألنى  عن العم صلاح أولا كعادته وقال.. أنا عاوز اشوف صلاح يا أكرم.. بقى لى زمن ما شوفته.. وعارف انى حابكى من كتر الشوق..  صلاح ده جزء من تكوينى وعمرى وفكري.. اتفقت مع المنير.. محمد على أن نقوم بزيارة صاحب العقل المشع والفكر المنير والصديق الأجمل والإنسان الرقيق والصاحب الذى تتجمل به الحياة والعم الذى لا مثيل له عمي وتاج رأسى صلاح السعدنى اللهم احفظ لنا هذا النبع الذى يتدفق حبا وحنانا وعشقا لها البلد ولما جاوره من وطن عربى عشنا  نحلم بوحدته واليوم نسأل الله أن يحفظه من شرور مدمرة تستهدفه.