حكاية وطن
لا أميل إلى جلد الذات، ولا أركز على نصف الكوب الفارغ فقط وأتجاهل الجهد الذى بذلته فى ملء النصف الأسفل من الكوب، ولا ألجأ إلى سرد السلبيات وأتجاهل الإيجابيات، ولا أحب الاستسلام للتشاؤم وأتجاهل بارقة أمل قادمة من بعيد، ولا أندب حظى إذا تعثرت، وأتجاهل وضع دراسة جديدة لتصحيح المسار لعلنى أهتدى مرة أخرى إلى الطريق الصحيح.
دائماً أسعى إلى النجاح، وحذفت كلمة فشل من ملف خدمتى، منذ أن اتخذت قرارى، منذ بداية تسلمى مهام وظيفتى، ولو مر يوم من غير عمل، فلن يحسب من عمرى، لا أريد أن أقول إننى لا أحب الإجازة، ولكن أهلاً بها إذا كانت ستساعدنى على شحن بطارية الإنتاج وتجويد الأداء، وتنقية الذهن، وتقوية الإبصار، وتجديد الدم، وهدوء الأعصاب، وانضباط ضربات القلب.
إذا كنت من المتمتعين بالصفات السابقة، فأنت تستطيع أن تحكم على ما يحدث حولك بحياد وتجرد وبدون عصبية، أو تشنج، أو مزايدات، أو الصيد فى الماء العكر، أو تصيد الأخطاء، فكما هناك سلبيات هناك إيجابيات، وما عليك إلا أن تلبس نظارة الحياد وأنت تتجول فى أى مكان، وقبل أن تصدر حكمك لابد أن تعرف كيف كان هذا المكان، وماذا أصبح، وقبل أن تحكم على إنسان اقرأ تاريخه بعين المحايد، وعقل المدقق، ولسان الصدق، من الممكن أن تجد له العذر إذا قصر فى مهمة ما، وتشهد له بالإجادة إذا وجدت إنجازاته تفوق إخفاقاته، الذى يبحث عن الجمال ولو بعد مشقة وطول بحث، سيجده، والباحث عن القبح سيكتشفه أقرب من مركز الرؤية فى عينيه.
إذا كان مخططاً لك أن تعيش ذليلاً محكوماً من عصابة لها عليك فرض الطاعة، وعليك أنت السمع، تطبق عليك إيديولوجيات صارمة، وقدِّر لك الفكاك من هذه العصابة فهذا إنجاز، ولكن لابد أن تكون مشاركاً بإيجابيات فى بناء ما خربته هذه العصابة، وتتحمل نصيبك فى البناء، ولابد أن تعلم أن التخريب سهل، وإعادة الشىء إلى أصله أمر صعب، يحتاج إلى نفقات، ويتطلب منك المشاركة الإيجابية، كما يحتاج منك النظر إلى الذين طردوا الفاشلين الذين كانوا يخططون لحكمك بالإكراه، إما تقبل أو تقتل، أو تطرد من وطنك، فالذين أنقذوك من العصابة الفاشلة وضعوا رؤوسهم على أكفهم، فهؤلاء لابد أن ننظر إليهم بعين التقدير، وصك الثقة، وكلمة الشكر.
إذا كان مخططاً لك أن تعيش حياة البادية، تستخدم المرافق فى الحلم فقط، وتقضى يومك فى طوابير الخبز، والجرى وراء أنبوبة البوتاجاز، وتقضى ليلك تناجى لمبة الكهرباء لتفيض عليك بنورها، ووجدت نفسك فى سعة من كل ذلك، فهذا وراءه جهد يستحق أن تضيفه إلى نصف الكوب الممتلئ حتى تضيق المساحة الفارغة من الكوب، هدفنا أن يمتلئ الكوب ويفيض، لكن لن يتم ذلك إلا إذا تخلينا عن السلبية، وجلد الذات، واتجهنا إلى تعظيم الإنجازات، والمشاركة فى تحمل الأعباء حتى نقضى عليها.
صحيح هناك تقصير، وهناك مقصرون، ويوجد بيننا فاشلون، لكن فى نفس الوقت الإنجاز أكبر، والمخلصون لهذا البلد أكثر، والناجحون متوافرون فى كل مكان، نحن دولة تنمو، وتواجه مخططات خارجية تحاول إعادتها إلى نقطة الصفر، وتحارب إرهاباً جباناً يخطط لضرب استقرارنا، وقطف زهور أبنائنا فى الجيش والشرطة، لهز الثقة، ولكن فى نفس الوقت نحن دولة قوية متماسكة تحارب الإرهاب وتبنى المشروعات، وتحقق نمواً اقتصادياً تتحدث عنه كبريات المؤسسات الدولية.
نعم عندنا سلبيات وأخطاء، ولكن نعمل على مواجهتها وحلها، وإذا اتحدنا واتجهنا للعمل، وانحزنا للتفاؤل فسوف نتخلص من كل الأوجاع والانتفاخات والترهلات والشحوم والدهون، ونزهو بالرشاقة وسعة العيش.
الأمل فى بكره والتمسك به، والثقة فى مؤسساتنا وتشجيعها، والوقوف إلى جانبها فى الأزمات، عامل مهم فى عبور الآلام حتى ولو كانت مبرحة، ما أجمل التعافى بعد المرض، لأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، ونحن لابد أن نجتهد لنكون مجتمعاً من الأصحاء.