لله والوطن
في ميدان الساعة بمدينة دمياط.. وهو الميدان الواقع في منتصف شارع كورنيش النيل أكبر الشوارع الرئيسية هناك.. حدث مشهد غريب لم يعهده المجتمع الدمياطي.. المشهد هو تجمع عدد قليل من الدمياطة للمشاركة في المظاهرات.. تكرر المشهد في يناير 2011 وفي يوليو 2013 .. وغرابته تتمثل في أن هذا المجتمع العمالي المغلق لم يعهد أهله مثل هذا الاهتمام بالمشاركة السياسية أو بالعمل الجماهيري المسيس.. لأنهم ببساطة مشغولون في أعمالهم و«مش فاضيين».
لكن وقتها كان الأمر مختلفا.. وضغط «الميديا» استطاع أن يحرك الحجر.. ثم تكرر المشهد مرة ثالثة مساء يوم الجمعة الماضي.. مع اختلاف حجم المشاركة طبعا وهدفها.. وربما كان المشهد الدمياطي في هذا اليوم هو الأبرز بين غيره من المدن القليلة التي شهدت هذا الخروج محدود العدد والمدة.. والذي لم يُقصد منه إلا إلقاء حجر وسط مياه البحيرة الهادئة.. لتحريكها.. وتلويثها.
< السؤال="" المطروح=""> >
لماذا مدينة دمياط بالذات التي اختارها أصحاب المخطط المسموم لتكون نواة لما يريدونه من فوضى وإثارة وتهييج؟.
الذين يعرفون دمياط جيدا.. والذين نشأوا وعاشوا فيها.. ويعرفون طبيعة أهلها الذين لا هم لهم إلا عملهم و«مصلحتهم».. أي ورشهم ومعارضهم التي يصنعون فيها ويبيعون منتجاتهم من الأثاث.. حرفتهم التاريخية.. يعلمون أن شعب هذه المدينة تعرض في السنوات الأخيرة لما لا يتحمله بشر من ضغوط واستغلال لظروفه وأزماته .. من أجل تحويله الى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت.
الدمايطة تعرضوا لهجمة مدروسة وممنهجة بعد 2011 من جانب تنظيم الإخوان الإرهابي وغيره من التنظيمات السلفية المتطرفة.. نجحت في تحويله الى بؤرة لأفكارهم وتحركاتهم.. اعتمادا على التدين الفطري لهذا الشعب البسيط.. وأيضا على تاريخه القديم عندما كانت دمياط إحدى قلاع الإخوان المسلمين في الخمسينات والستينات.. الى أن شهدت هذه المحافظة واحدة من أعنف حملات «التطهير الأمني» في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. وفي جميع الاستحقاقات الانتخابية التي تلت عام 2011 أظهرت النتائج بشكل جلي الانحياز الكبير من جانب قطاع ليس بقليل من المجتمع الدمياطي الى جماعات «الإسلام السياسي».
<>
تعرض الدمايطة لمخطط شيطاني.. استهدف تدمير عقول الشباب والعمال.. عن طريق نشر المخدرات بينهم بشكل وبائي.. لدرجة أن تحولت قرى كاملة الى أوكار لتجارة المخدرات بكل أنواعها بعد أن كانت قلاعا للعمل والصناعة.. وساعد على ذلك وجود الميناء وضعف الرقابة الأمنية وسوء الأحوال المادية بسبب الركود والكساد.. فهجر العمال ورشهم.. واتجهوا الى المقاهي و«الغرز» وأدمنوا التعاطي.. وكل ذلك بهدف ضرب هذه القلعة الصناعية والإضرار العمدي ليس فقط باقتصادياتها.. ولكن أيضا الإضرار باقتصاد الدولة بأكملها وحرمانها من أحد مصادر الدخل القومي.
<>
أن أحدا لم ينتبه الى هذا الوضع الخطير.. أو يحاول التحرك لمنع ما يحدث.. بل إن ثالثة الأثافي جاءت من أجهزة الدولة نفسها.. عقب إقرار قانون القيمة المضافة.. حيث فوجئ الدمايطة بتعرضهم لحملات تفتيش وإغلاق ضارية لمصالحهم.. شنتها مصلحة الضرائب وتعتمد على طرق تقدير جزافية وظالمة لا تراعي ظروف تضرر أعمالهم بشكل كبير.. جراء حالة الركود والكساد التي تعانيها البلاد بشكل كامل.. وخصوصا بعد قرار تعويم الجنيه وإطلاق إجراءات الإصلاح الاقتصادي.. أضف الى ذلك ارتفاع أسعار الخامات ومستلزمات الإنتاج المستوردة بسبب موجات الغلاء العالمية.. وأيضا بسبب الاحتكارات المحلية التي فشلت كل الأجهزة المختصة في مواجهتها.. فكانت النتيجة هي إغلاق الآلاف من الورش والمصانع.. وتشريد عمالها وخراب بيوتهم.. ووقوعهم في أسر الإدمان والمخدرات.
وحتى عندما أرادت الدولة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. أطلقت مشروع «مدينة الأثاث» الذي ظنت أنه سيحل الأزمة.. بينما الحقيقة أنه لم يقدم للدمايطة ما يريدونه.. حيث يعتمد على توفير أماكن لورشهم بأسعار مبالغ فيها.. لم يقبلوا عليها.. ولا تلزمهم ولا تنقصهم أساسا.. بينم أهمل المشروع الجانب الأهم وهو توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار معقولة.. وتسويق المنتجات بشكل علمي ومنظم ومثمر..في الداخل والخارج.
<>
ومنذ تعيين الدكتورة منال عوض محافظا لدمياط.. وهو قرار ما زلت لا أفهم حكمته.. لم تنتبه الدكتورة التي هبطت على المحافظة بالباراشوت الى خطورة ما يحدث.. لأنها ببساطة لا تعرف الدمايطة جيدا.. ولا تعرف معنى ما يحدث.. وتجاهلت تماما التعامل الجاد مع حالة الخراب وتفشي الإفلاس والبطالة والإدمان بين شباب المحافظة التي لم تكن تعرف البطالة مطلقا.. ولم تحاول السعي بالتعاون مع رموز المجتمع الدمياطي من أجل الخروج من هذه الأزمة الطاحنة.
وبسبب ذلك.. حدث مشهد ليلة 20 سبتمبر في دمياط.. ذلك المشهد الذي نحمل الدكتورة منال مسئوليته.. ونحذر من تكراره إن لم يحدث تغيير عاجل وسريع في جميع المناصب التنفيذية في هذه المحافظة المنكوبة في شبابها.. وفي قياداتها!.