لله والوطن
عودة مرة أخرى الى مسألة مطالبة الدولة لمنتفعى الوحدات المصيفية فى قرى الساحل الشمالى بدفع رسوم سنوية مقابل حق الانتفاع بالشواطئ.. بواقع 150 جنيها للمتر المربع على المساحة الإجمالية للقرية الواحدة.. وما يترتب على ذلك من تحميل هؤلاء المنتفعين بمبالغ خيالية قد تصل الى 60 أو 70 ألف جنيه سنويا عن الوحدة الواحدة.. وهو مبلغ قد يفوق القدرات المالية لكثيرين منهم ممن تغيرت أحوالهم واختلفت فى ظل التطورات الاقتصادية الراهنة.
•• بداية
يهمنا التأكيد على أن المسألة هنا لا تتعلق مثلما يتصور البعض بمصالح «فئة مرفهة» من الناس.. لا تفرق معهم هذه المبالغ.. وأن «أهل الساحل» هؤلاء لا يستحقون إضاعة الوقت والجهد من أجلهم.. فحقيقة الأمر أننا أمام قضية بالغة الأهمية.. تتعلق بالحقوق العامة والخاصة.. وبالقوانين التى تنظم العلاقة بين الدولة والمواطن.. تلك العلاقة القائمة على احترام الحقوق والواجبات.. والوفاء بما قد ينشأ من التزامات تترتب على تعاملات مالية أو تعاقدات.. دون تغول أو افتئات من طرف على الآخر.. خاصة إن كان أحد هذين الطرفين.. وهو الدولة باعتبارها السلطة التنفيذية الشرعية.. يمتلك من القوة ووسائل الضغط والإلزام ما يفوق قدرات كل مالكى هذه الوحدات والمنتفعين بها.. مجتمعين.. حيث لا سند لهم ولا نصير الا القانون والقضاء القائم على تنفيذ أحكامه.. بالحق والعدل والقسط والقسطاس المستقيم.
•• وبكل أريحية نقول:
إننا ننأى بالدولة وهى تقدم على تحصيل مثل هذه الرسوم أن ترتكب بذلك خطأ قانونيا جسيما ومخالفة فادحة لأحكام الدستور.. وذلك لأسباب عديدة.. أهمها أنه وفقا لأحكام الدستور «لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون».. بينما لم نسمع مطلقا أن هناك قانونا تم سنه أو مناقشته تحت قبة البرلمان بفرض رسوم انتفاع بشواطئ الأراضى التى باعتها الدولة من قبل كمصايف وحصلت على قيمتها كاملة وتتقاضى على وحداتها الضرائب العقارية المفروضة بحكم القانون.
وحتى لو افترضنا ان هناك قانونا سريا صدر بذلك فعلا.. فلا يجوز أيضا تطبيق هذا القانون باثر رجعى ومطالبة إدارات القرى بسداد عشرات الملايين من الجنيهات كرسوم متأخرة.. وفقا لما لدينا من صور خطابات رسمية تم إرسالها بالفعل من رؤساء المدن التابعة لها هذه القرى.
•• وكذلك
نرى أن الأساس الذى يتم وفقا له تقدير الرسوم.. بواقع 150 جنيها عن المتر المربع وفرضه على المساحة الإجمالية (حاصل ضرب عرض الشاطئ × عمق القرية).. هو أساس خاطئ وظالم بكل المقاييس.. ولك أن تتصور مثلا ما سيتم تحصيله على هذا الأساس من مالك شقة قيمتها 65 مليون جنيه فى أحد أبراج العلمين الجديدة مقارنة بما يتم تحصيله من مالك وحدة فى القرى القديمة قيمتها لا تتعدى المليون جنيه.. مع الأخذ فى الاعتبار المساحة الكبيرة نسبيا للقرية الكبيرة وعدد الوحدات الكبير فى برج العلمين الواحد المقام على مساحة تقل كثيرا جدا عن مساحة القرية القديمة.. هل هذا عدل؟!
•• ثم.. وهذا مهم جدا
ومن ناحية احترام العلاقات التعاقدية.. ألم تكن عقود بيع هذه الأراضى المبرمة بين الدولة ومالكى الوحدات متضمنة الانتفاع بالشاطئ؟.. وهل اشترى الناس هذه الأراضى بالاسعار التى طلبتها الدولة الا من أجل الانتفاع بهذه الشواطئ؟.. وهل كانت قيمة هذه الأراضى تناسب هذه الاسعار ما لم ينتفع المشترون بالشواطئ؟.. وهل يجوز الآن وبعد ثبوت واستقرار هذه الملكية لكل هذه السنوات أن يقوم أحد أطراف التعاقد وهو الدولة بتعديل العقد؟.. هذا إجراء مخالف للدستور بكل تأكيد لأنه يمثل مصادرة واضحة للحقوق الخاصة.
أيضا.. فإن الحكومة عندما فرضت على هذه الوحدات ضريبة عقارية فقد تأسست قيمة هذه الضريبة بناء على قيمة العقار بما تشمله من مزايا.. بينها الانتفاع بالشواطئ .. وهذه الضريبة هى الأساس العادل لتحصيل حق الدولة.. لأنها لن تظلم المنتفع بوحدات القرى القديمة وتنصف أصحاب وحدات الأبراج باهظة الثمن.. لأنها يتم احتسابها وفقا لقيمة العقار.. وليست وفقا لمساحة الشاطئ أو الأرض.
•• وأخيرا
فبعد أن أصدر اللواء مجدى الغرابلى محافظ مطروح قراره بعزل السيد حسين كامل أبو طالب رئيس مركز ومدينة الضبعة من منصبه عقب تصريحه فى برنامج تليفزيونى وتأكيده صحة إرساله خطابات المطالبة بهذه الرسوم.. كنا نعتقد أن المسألة لا تتعدى كونها شائعة كاذبة.. خاصة بعد أن أرجع المحافظ قراره (حسب بيان رسمى صادر من المحافظة) الى أن أبو طالب أدلى «بتصريحات إعلامية لا تمت للحقيقة بصلة نهائياً بخصوص رسوم حق الانتفاع بالشواطئ.. ما أثار جدلا واسعا فى الرأى العام».
لكن ما حدث هو أن ظهرت خطابات رسمية تؤكد أن هناك مطالبات حقيقية بتحصيل هذه الرسوم.. وهو ما زاد الأمر غموضا وأثار المزيد من اللغط والجدل والاستياء.. ونرى ان الأمر أصبح يتطلب قرارا عاجلا من الدولة بوقف أى إجراءات تخص هذه الرسوم.. وعرض الامر برمته على مجلس النواب عند افتتاح دور الانعقاد البرلمانى الجديد.