لله والوطن
أتذكر الآن مقالاً حماسياً كتبته فى «الوفد» قبل خمسة أعوام كاملة.. تحديداً يوم 30 أغسطس 2014.. أرانى فى حاجة إلى أن أتوقف أمامه الآن.. للتقييم والمراجعة.
<>
حذرت من وجود خطاب تحريضى عدائى لدى بعض رموز وقيادات الفكر والعمل السياسى والنخب ضد الأحزاب ومحاولة تحويلها إلى «فزاعة للنظام».. بهدف دفع الدولة المصرية إلى خطيئة تاريخية كبرى أخرى.. بتأميم السياسة مثلما فعل جمال عبدالناصر عندما أجهز على نظام التعددية الحزبية وألغى الأحزاب السياسية فى يناير 1953.. ليحل محله التنظيم الشمولى الأوحد.. بدءاً بـ«هيئة التحرير» وانتهاء بالحزب الوطنى.. تلك المسيرة الاستبدادية التى أطاحت فى طريقها بنظام عبدالناصر نفسه.. ثم نظام الرئيس الراحل أنور السادات مؤسس الحزب الوطنى «حزب الرئيس».. والتى كانت وقود ثورة 25 يناير 2011.. تلك الثورة التى يتناسى المحرضون أنها ثورة ضد التسلط والديكتاتورية والاستبداد.. ويتناسون أهدافها «العيش– الحرية– والعدالة الاجتماعية».. تلك الأهداف التى تمثل فى حقيقتها أضلاع مثلث الديمقراطية.. فلا حرية ولا عدالة اجتماعية ولا لقمة عيش إلا بالديمقراطية.. ولا ديمقراطية إلا بتداول حقيقى للسلطة بين أحزاب حقيقية تسعى إلى تحقيق المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية لفئات وعناصر المجتمع.. من خلال برامج تعبر عن الأفكار والقيم والمبادئ المختلفة للقوى الوطنية والسياسية المكونة للمجتمع.
<>
أن مبادئ ثورة 25 يناير.. ثم ثورة 30 يونيه.. هى فى حقيقتها دعائم شرعية الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه الذى بايعه الشعب وانتخبه وفق آليات ديمقراطية تفتح أبواب المشاركة أمام جميع المصريين.. بمختلف انتماءاتهم الحزبية والسياسية.. لتدخل البلاد إلى مرحلة خصبة من التعددية الديمقراطية القائمة على التداول السلمى للسلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة بمشاركة الأحزاب.
ورأينا أن الأحزاب التى يحاول البعض الحكم عليها بالإعدام تستحق الدعم والمساندة.. لا نقول دعماً مادياً أو تنظيمياً.. فهذا شأنها وحدها.. ولكن من خلال فهم واعٍ وتقدير مستنير للظروف التاريخية التى أضعفت هذه الأحزاب وأعاقت قيامها بدورها الحقيقى.. بدءاً من ظروف نشأتها– أو عودة التعددية الحزبية– فى عام 1976، حيث لم يكن مقصوداً بها أبداً ترسيخ مبادئ الديمقراطية أو التعبير عن حراك سياسى مجتمعى، بقدر ما قصد بها خلق «ديكور ديمقراطى» وكيانات هامشية تحيط بنظام الحاكم الفرد وتوفر له ظهيراً سياسياً وهمياً.. بينما هى غير قادرة على العمل خارج نطاق مقارها فى ظل قيود أمنية تمنعها من الخروج وسط الجماهير إلا بتصريح أو إذن أو ترخيص، وفى ظل خضوعها للسلطة المطلقة لما يسمى بلجنة الأحزاب السياسية التى يرأسها رئيس مجلس الشورى الذى هو فى الوقت نفسه قيادة بارزة فى «حزب الرئيس».
< فى="" ذلك="">
لم يكن هناك عمل حزبى حقيقى أو تداول فعلى للسلطة، ولذلك تحولت الأحزاب إلى مادة للسخرية والتنكيت.. ولعلنا نتذكر ما قاله الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعد آخر انتخابات برلمانية أجريت فى عهده.. عندما جرى تزوير هذه الانتخابات وهمشت جميع الأحزاب والقوى السياسية واختفى نوابها من مقاعد البرلمان.. فاضطرت إلى تكوين ما يسمى «البرلمان الموازى».. فأطلق مبارك عبارته الشهير: تعليقاً على هذا البرلمان قائلاً: «خليهم يتسلوا».. وهى العبارة التى دفع– وما زال يدفع– ثمنها غالياً.
أيضا حاولنا الرد على من يستدعون دلالات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى جرت فى المرحلة الانتقالية بين ثورتى 25 يناير و30 يونيه، باعتبارها دليلاً على ضعف وهشاشة النظام الحزبى.. ترتب عليه تمكين الإخوان من الحكم وسرقتهم لثورة الشعب.. وقلنا: إن هذه الانتخابات كانت لها ظروفها، وخصوصياتها التى يعلمها الجميع.. حيث كانت البلاد غارقة فى حالة من الاستقطاب السياسى والدينى والخلط بين العمل السياسى والدعوة الدينية، وهو ما عجزت الأحزاب عن مجاراته.
وطالبنا برفع الظلم عن الأحزاب.. والحفاظ على مكاسبها من الثورة.. ودعونا إلى منحها الوقت الكافى وإشراكها فى حوار وطنى يقود إلى التوافق حول ضوابط ومبادئ للعمل السياسى تحميها مما يزعمون من سطوة «المال والدين».. وعندما تقوى هذه الأحزاب ستعود ثقة الناس فيها ويقبلون إلى الاندماج فى صفوفها، لتكون أحزاباً معبرة بحق عن الشرائح الفكرية والاجتماعية للمجتمع وليست مجرد «ديكور» أو «قميص» أو ظهير لحاكم فرد.
<>
وبعد خمس سنوات نتوقف ونسأل من جديد: أين الأحزاب؟.. وماذا قدمت لنفسها من أجل أن تثبت وجودها فى الحياة السياسية وتستعيد دورها المفقود؟.. ليتنا نسمع إجابة الأحزاب.