رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحية من أعماق القلب لكل انسان ولد وعاش على هذه البقعة الطيبة الساحرة.. والتى كتب لى أن أعيش بين أهلها وأشهد انهم أكثر العرب عشقاً لمصر.. وأدب مصر وشعب مصر وأرض مصر.. فى هذه الأرض تجلت الوحدة العربية فى أمتع وأجمل صورة لها دون ضجيج وبلا اعلان ولا حتى أغنية واحدة.. فقد اجتمع فى الفصل الدراسى بثانوية أبو ظبى للبنين زملاء من فلسطين  والعراق وسوريا والجزائر ومصر واليمن والأردن كلهم جاءوا بصحبة الأهل من أجل البحث عن مصدر للرزق، فإذا بهم فى أرض كان الخير فى باطنها وعلى ظهرها  كان هناك  بشر، الخير فيهم ربما اعظم وأكبر من الخيرات التى حملتها بلادهم. كان المواطنون فى أبو ظبى ودبى والشارقة والفجيرة وعجمان  ورأس النجمة وأم القوين.. نسيجا واحدا حتى تظن أنهم اخوة وأشقاء.. تعاملوا مع كل الوافدين وكأنهم أصحاب البلد فلم يشعر مواطن عربى واحد انه خرج من داره، بل إن العكس كان صحيحاً حتى المواطن الهندى والباكستانى كانت المراحب الحارة تنتظرهم من أهل هذه الدولة العجيبة المدهشة.. والتى امتزج فيها جميع الذين أقاموا بها وارتبطوا بها وأصبحوا جزءاً منها.

كنت فى الفصل الدراسى أجلس الى جانب أشقاء أكثرهم من فلسطين ومصر، والقلة من المواطنين الاماراتيين.. ومنهم كان الشيخ  حمدان بن مبارك الذى أصبح له شأن كبير فى الدولة بعد ذلك وأيضاً سلطان  العتيبى ابن عم أول وزير للبترول فى الدولة وكان هناك طالب شديد الذكاء والدهاء ساخر من طراز فريد اسمه أحمد القبيسى لو أتيحت له فرصة التمثيل لكان لدولة الامارات شأن كبير فى عالم الكوميديا.. اما أساتذتنا.. فكانوا من السودان الشقيق ومنهم الأستاذ «توم» ومن باكستان ودرس لنا اللغة الانجليزية ومن مصر أساتذة الأحياء والرياضيات والعربى والعلوم ومن فلسطين كان مدير المدرسة فى هذا الصرح العلمى الذى كان يعد أكبر صرح تعليمى فى الدولة فى تلك الأيام حيث لم تكن الجامعات قد ظهرت الى الوجود بعد، كان يزورنا  رئيس الدولة شخصيا سمو الشيخ زايد.. وكان حريصاً على فتح حوار ودى مع الجميع سواء مع أبناء الامارات أو الوافدين العرب.. ولم يكن هناك قيود على هذا الحوار، ذلك لأن العلاقة بين أكبر رأس فى الدولة وأبنائه كانت علاقة تحكمها أعراف وتقاليد عربية أصيلة.. فالكبير له بالغ الاحترام والتقدير والصغير له كامل الرعاية والعون.. وفى هذه الدولة الرائعة كنا طلاب المدارس نتلقى «مرتباً» شهرياً وزيا مدرسيا مرة فى الصيف ومرة فى الشتاء تشجيعاً للمواطنين من أجل التعلم..  والحق أقول إن الدراسة فى أبو ظبى كانت هى الأفضل فى كل أنحاء العالم العربى المناهج حرص الشيخ زايد على أن تواكب العصر..  فوضعت تحت اشراف مؤسسات  تعليمية دولية.. ولذلك وعندما فتحت الجامعات أبوابها.. كان وقود هذه الجامعات من الطلاب على أعلى مستوى من الكفاءة والدراسة..  ولم تتوقف حركة التطور فى كل مجال فقد كانت الدولة كريمة العطاء سخية فى كل مناحى الحياة.. كانت الباصات ووسائل المواصلات هى الأحدث فى العالم وكانت المستشفيات هى الأفضل سواء فى المعدات أو الأفراد وكانت حركة العمران هى الأسرع فى العالم.. لدرجة أننا شقيقتاى هالة وأمل ومحسوبكم حملنا معنا 3 ملاحق وسافرنا الى المحروسة مصرنا الجميلة فى اجازة الصيف لكى نعود لأداء الامتحان مرة أخرى بعد ثلاثة شهور بالتمام والكمال اكتشفنا ان البلد الذي تركناه من خلفنا من 3 شهور فقط لا غير.. لا وجود له على الأرض وأن الخريطة تبدلت تماما وتغيرت الأحوال وانشقت الصحراء عن معجزة عمرانية فيها الذوق والجمال هما العناصر الغالبة.. فإذا بمدينة تشبه نيويورك ومنهاتن.. لم يكن شيوخ الامارات وقائدهم التاريخى زايد يكنزون الثروات أو ينفقونها فيما لا طائل  من ورائه.. بل انهم استخدموا هذ الثروة والهبة الربانية فى تجميل الحياة لكل من يعيش فوق هذه الأرض وكان لأهل مصر مكان خاص فى القلوب تجلى فى أعظم صورة أثناء حرب أكتوبر المجيدة عندما  خصص الشيخ زايد لمصر  وبلا حدود كافة احتياجات المعركة وفوق ذلك.. وبعد النصر الذى حققه جيش مصر العظيم..  كان زايد هو صاحب الفضل فى الإعمار عندما منح كافة التسهيلات المالية لوزارة التعمير فى مصر.. لإعادة بناء ما  تهدم فى مدن القناة الثلاث والتى حملت فى الكثير من الأحياء اسم هذا العاشق الأصيل لمصر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هذا الانسان الحقيقى الذى كان محبا للبشر وكأنه قادم من أجل رسالة وحيدة وهى رسم السعادة فى القلوب.. وذات مرة كان هناك رجل يشغل منصب وزير الاعلام اسمه النويس اقترح على الشيخ زايد  ان تقتصر  وجبات الطعام المقدمة للتلاميذ والطلبة فقط على  أبناء الامارات.. فى تلك اللحظة.. انتفض الشيخ وهو يقول.. لا والله.. هل تريد لطفل عربى يجلس الى جانب شقيقه الاماراتى ان يتفرج عليه وهو يتناول الطعام.. وابن الشقيق العربى يتضور من الجوع.. نحن هنا لنقيم العدل بين الجميع دون تفرقة.. هذا ما علمنا إياه رسولنا الكريم وديننا الحنيف وعلي هذا الأساس كانت المعاملة فى كل انحاء هذه الدولة الفتية.. فكان للعربى ما للإماراتى من حقوق وواجبات وعم  الخير على الجميع.. ولم يشعر أى مواطن عربى فى أى  لحظة فوق هذه الأرض ان هناك تمييزا بينه وبين اي أحد آخر.. وكان القانون يحكم بين الجميع وكأنهم أبناء للدولة وكانت الوظائف لصاحب الكفاءة وليست لصاحب كارت التوصية وعلى هذا الأساس كان هناك عرب فى مناصب عليا فى كل مفاصل الدولة وهذا أمر يصعب تكراره  خارج دولة الإمارات وكان بالفعل لأهل مصر خصوصاً فى القضاء وجود ملموس وأخلص هؤلاء المصريون فى عملهم واجتهدوا ما استطاعوا وكأنهم يخدمون تماماً الدولة المصرية.. التى كانت خير عون دائما للإمارات وأهل الإمارات.. ولعلنى أتذكر اليوم الشيخ زايد رحمة الله عليه وما قدمه من أياد بيضاء لبلادنا وقد مضى على دربه من أبناءه الشيخ خليفة شفاه الله والشيخ محمد وفقه الله فى قيادة أمور هذا البلد الغالى على نفس أهل مصر.. ولأنه وفى أوقات الشدة يظهر المعدن الأصيل دائما فقد وجدنا الشيخ محمد بن زايد على رأس الذين اهتزت قلوبهم لكل حادث يقع لأهل المحروسة وكان آخر هذه الحوادث ما جرى من جريمة نكراء فى حق أطفال مصابين بمرض عضال مع شديد الأسف كانت الجريمة أكثر إيلاماً لهم من المرض ذاته وجدوا أنفسهم فجأة فى العراء بصحبة أهاليهم بعد أن تحطم كل شىء بفعل هذا الحادث الإرهابى المجنون وجاءت مكرمة محمد بن زايد لتعيد الى ذاكرتنا ما كان يتميز به ويشتهر به الرجل الذى ضربت به الأمثال  فى الكرم والشهامة الشيخ زايد بن سلطان.. نعم فقد مسح الشيخ محمد بن زايد على جراح هؤلاء الأطفال الذين أبى الشيخ زايد أن يتحولوا الى مشاهدين بينما يتناول أبناء الإمارات من زملائهم الوجبات المقدمة من الدولة.. نعم واصل الشيخ محمد العطار بنفس المنهج العروبي الأصيل.. ولم يتوقف الأمر عند هذا المسئول العربى النبيل فى تلك البقعة الساحرة.. ولكن وكما تعودنا دائماً.. جزي الله الشدائد كل خير.. نعم.. فقد عودنا الشيخ سلطان بن محمد القاسى حاكم الشارقة أن يكون الى جانبنا وقت الشدة وأن يتحامل على ألمه وعلى مرضه ويرسل برسائل الاطمئنان الى أهله.. وناسه وأحبائه فى المحروسة، فيتعهد ذات يوم حزين اخترقت فيه ذاكرة مصر ممثلة «بالمجمع العلمى» فإذا بالمسئول العربى النادر الوفاء للمحروسة يقسم ان يبذل أقصى ما يملك من جهد ومن مال لكى يعوض مصر عن كل ورقة التهمها الحريق وكل ضرر أصاب الحجر والأمكنة وأوفى بالوعد وجاء ومعه على طائرته الخاصة ما ندر من المخطوطات التى لا تقدر بثمن جمعها بعد أن من الله عليه بالشفاء من اتحاد المعمورة و«254» قطعة أثرية وجدت طريقها الى الخارج فأعادها الى موطنها الشرعى.. هذا الحاكم الذى درس يوماً ما فى قاهرة عبدالناصر وعمل مراسلاً حربياً لإحدى المجلات المصرية عشق ترابها وجاء اليها محملاً بكل معانى العروبة والوطنية وشعر أن قامته ارتفعت مع ارتفاع أعلام العزة والكرامة فى 1956 عندما انتصر هذا الشعب العظيم فى الدفاع عن مقدراته أمام غزو قوى عظمى وبمساعدة أحقر دولة عرفها التاريخ وهى إسرائيل ولم يكف أنه شارك بوجدانه ولكنه اتجه  الى أقرب قاعدة عسكرية بريطانية وكانت الطائرات متراصة فى المطار.. فقام بتفجير ما استطاع بها وكأنه يقدم لمصر زعيم الحرية فى العالم العربى وأفريقيا تحية من أحد أبناء الإمارات لمصر فى حربها المقدسة دفاعا عن الحق العربى فى كل أرجاء العروبة.. وكلنا نعلم أياديه البيضاء فى كل صرح تعرض لأى ضرر من أول كلية الهندسة الى الزراعة الى دار الكتب الى مبنى الآثاريين العربي الذى أنشأه على نفقته الخاصة الى مستشفى الصحفيين الى مبانى عمال السكك الحديد فى الجيزة الى الصرح الطبى ودار المسنين والطلاب الذى ظهر الى النور والخاص بأبناء النوبة والذى بناه الشيخ هدية واعترف بالجميل لحارس العقار الذى كان يقيم به بالدقى أثناء فترة دراسته وهذه العاطفة تجاه كل البسطاء الذين اختلطوا به وعرفهم أثناء إقامته فى مصر وأغلبهم من بسطاء أهل مصر وفقرائها تدل على أن أصحاب النفوس الكبار من أمثال زايد بن سلطان وأبنائه والشيخ سلطان القاسمى لا يقسمون البشر إلى غنى وفقير ولا الى متعلم وجاهل ولا الى أبيض وأسود ولكن البشر هم الطيبون المسالمون الذين جملوا الحياة وتركوا أثراً فى النفوس لا يمحى. مكرمة الشيخ سلطان القاسمى بتحمله كافة تكاليف ترميم هذا الصرح الطبى وتجهيزه بأحدث ما وصلت اليه التكنولوجيا من آلات ومعدات.. تجعلنا نرى شعاعاً للضوء قادم من نفق أرادوه مظلماً أسود.. أصحاب توكيل الجهل والإرهاب.. وأقول للشيخ سلطان القاسمى الحاكم الذى أسعدنى الحظ بمعرفته نظراً لكونه صديقاً للولد الشقى السعدنى الكبير طيب الله ثراه.. وأيضاً زميلاً لعمى صلاح، متعه الله بالصحة والعافية.. أقول لمحبى مصر الكبير.. إن أهل مصر جميعاً  يعلمون مكانة هذا البلد وأهله فى قلبك... ويشاركونكم الأحزان فى وفاة الشيخ خالد بن سلطان رحمه الله.. ويقدرون لكم هذه المواقف ومعكم كل أهل وحكام الإمارات.. بارك الله لكم وسدد على طريق الحق والمحبة خطاكم ومنحكم الصحة والعافية وحفظ بلادكم من كل مكروه.