لله والوطن
الآن.. راحت السكرة وجاءت الفكرة.. انتهينا من البكاء على ضحايا الحادث الإرهابي الخسيس.. سواء الذين استشهدوا أو أصيبوا بشكل مباشر في الانفجار «أو التفجير».. أو مرضى معهد الأورام الذين مزقت صورهم قلوبنا وهم يخرجون مذعورين إلى الشوارع وأكياس الدماء والمحاليل والأدوية معلقة في عروقهم.. يبحثون عن مكان آمن يأويهم.. فإذا بهم يخرجون من موت الى موت آخر «كالمستجير من الرمضاء بالنار».. جفت الدموع وجاء وقت التأمل والتفكير: من فعل ذلك؟.. ولماذا؟.. وكيف؟.. وما الدروس المستفادة؟.
•• بداية
لسنا من المؤيدين لما يحذر منه البعض.. ويرون أن نشر صور الضحايا أو المضارين من مرضى المعهد، يخدم أغراض مدبري الحادث ويدعم بكائياتهم على دماء الأبرياء التي هي في حقيقتها صنيعة أيديهم الملطخة بها.. إذ نرى من جانبنا أن نشر هذه الصور أقوى مليون مرة من كل ما تسطره الأقلام وتعبر عنه الكلمات.. لتجسيد حقيقة الحرب الشرسة التي تخوضها الدولة المصرية ضد قوى الشر والإرهاب والتطرف وتجار الدين وعصابات الغدر والخيانة والخسة.. الذين يوجهون رصاص بنادقهم وقنابلهم إلى صدورنا جميعا.. دون رحمة أو تمييز أو ضمير.
فلا بد أن يرى الجميع هذه الصور.. ويحفظوها عن ظهر قلب حتى لا يضلوا الطريق عن الهدف الأعظم والأسمى.. وهو مواجهة هذه العصابات الإرهابية وخوض الحرب ضدهم حتى نهايتها حفاظا على أمن وسلامة وكيان الوطن.
•• ماذا حدث؟
إجابة هذا السؤال ما زالت لغزا كبيرا.. فبالقطع لم يكن التفجير يستهدف معهد الأورام أو أياً من السيارات التي تصادف وجودها بموقع الحادث.. وإنما كان هناك مثلما أشرنا في مقالنا بالأمس «هدف ما» أو «مكان ما» أو «أحد ما» تتجه السيارة المفخخة إليه.. وغالبا في منطقة السفارات المهمة بحي جاردن سيتي التي تقع على بعد عشرات الأمتار من موقع الحادث.. وأقربها السفارة الإيطالية ثم السفارة البريطانية والسفارة الأمريكية.. وهذا ما ستتوصل إليه أجهزة الأمن من خلال تتبع خط سير السيارة.. ومحاولة فك اللغز الكبير.. وهو: لماذا اضطر الإرهابي قائد السيارة الى السير عكس اتجاه الطريق.. وبسرعة؟.. ولماذا لم يذهب الى هدفه مباشرة من الطريق الصحيح؟.. وهل يعني هذا أنه شعر بانكشاف أمره أو رصده فحاول الهروب ليصطدم بالسيارات ويتعطل ويضطر لتفجير السيارة؟.. أم أن هناك تفسيرا أكثر منطقية لما حدث..؟.
•• من الدروس المستفادة
أنه مازال هناك خلل واضح في منظومة التعامل الإعلامي الرسمي مع مثل هذه الأحداث الجسام.. بدليل هذه الحالة الضبابية «المفتعلة» خلال الساعات التي تلت الحادث وحتى صدور بيان وزارة الداخلية وتغريدة الحساب الرسمي لرئيس الجمهورية على «تويتر» واللذين كشفا وجود عمل إرهابي خلف الحادث.. وأن السيارة كانت تحمل كمية كبيرة من المتفجرات، وكانت في طريقها لتنفيذ عمل إرهابي.. هذه الحالة التي أثارت كما أوضحنا بالأمس حالة من التشكك الجماهيري في الرواية الرسمية التي تضمنها البيان الأولي الصادر عن الحادث.. والذي صوره على أنه انفجار ناجم عن اصطدام السيارات.. وهي رواية لم يقتنع بها الناس من البداية.. بالنظر الى حجم الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن الانفجار.. ونكاد نجزم من جانبنا بأن الحادث كان واضحا منذ بدايته لجهات التحقيق أنه أكبر بكثير من مجرد «تصادم».. فلماذا كان إخفاء الحقيقة؟.. وما جدوى ذلك؟!.
•• أيضاً
من الدروس المستفادة أن مؤسساتنا ما زالت تفتقد الرؤية الواضحة والتدريب اللازم على إدارة أزمات.. كتلك التي حدثت داخل معهد الأورام وإدارته التابعة لمؤسسة علمية عريقة.. وهي جامعة القاهرة.. والدليل على ذلك هو حالة الفوضى التي سادت عملية إجلاء المرضى من داخل مبنى المعهد.. وهذا يطرح علامات استفهام كبيرة حول غياب برامج وخطط إدارة الأزمات ووسائل التأمين داخل المؤسسات الرسمية.. وخاصة الخدمية والجماهيرية من هذه المؤسسات.
•• أما أكبر الإيجابيات فقد تمثل في رد الفعل السريع بعد الحادث.. من أجل ترميم المعهد وإعادة تشغيله.. وتسابق المواطنين والأشقاء العرب على التبرع لأعمال الإصلاح.. وهي صورة إيجابية خير ما يعبر عنها هو كلمات رئيس الدولة التي وصفها بأنها تعكس «حسن التكاتف والتكافل في مواجهة قبح تأثير الإرهاب».