الانشغال بالحروب مع إسرائيل وتسلل هذه الأخيرة إلى العمق الإفريقى، وتسيد الأفكار الانعزالية أو الانكباب على الذات، كانت من أسباب تراجع العلاقات العربية - الإفريقية فى الأربعين عاماً الأخيرة.
ونواصل اليوم استكمال بقية الأسباب ومنها سوء الفهم فى «سيكولوجية» التعامل بين العرب والأفارقة، ربما لأن المستعمر التقليدى نجح قبل أن يرحل فى غرس ثقافته فى الدول الإفريقية سواء الاستعمار البريطانى أو الاستعمار الفرنسى، ما أدى إلى تسيد الثقافة الأنجلو سكسونية والثقافة الفرانكفونية فيما تركزت الثقافة العربية فى البعثات الأزهرية إلى الدول الإفريقية ثم القصور فى مد جسور التواصل مع القارة، وافتقاد لغة خطاب مشتركة رغم أن مصر ارتبطت بإفريقيا ثقافياً من خلال شبكة واسعة من الإذاعات الموجهة باللغات المحلية الإفريقية مثلما ارتبطت مع باقى الدول العربية عبر أثير إذاعة صوت العرب وأنشأت صندوقاً للتنمية الإفريقية ومركزاً لتدريب الإعلاميين الأفارقة الناطقين باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية، ونلاحظ أنه لم يتم الاستحواذ على الاهتمام الإفريقى الذى انصرف إلى الثقافات الغربية مع ثورة وسائل الاتصال الجمعى فيما لم تساير سياساتنا الإعلامية رياح التغيير هذه!
وأخيراً لجوء الدول الإفريقية للغرب أو المستعمرين القدامى فى عملية التنمية بالقارة وهو أمر طبيعى حيث انطبع فى ذهن الأفارقة أن دول الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل تصنف معها دولاً من العالم الثالث، وبالتالى من المفترض أن تتم عمليات التنمية بمعرفة العالم المتقدم وعمق هذا التوجه الفراغ العربى!
وفى عام 1998 تعرض الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك لمحاولة اغتيال فاشلة فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بينما كان يشارك فى قمة الاتحاد الإفريقى، وبغض النظر من كان وراء هذه المحاولة كانت هذه الواقعة بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير ونجم عنها إقامة حاجز مع إفريقيا وزاد حكم الإخوان فى مصر الطين بلة، حيث لم تكن إفريقيا ضمن حساباتهم، وأتذكر أن زياراتهم الرسمية كانت لمعظم دول العالم باستثناء إفريقيا لقلة الخبرة وسوء التصرف فى التعامل مع الموضوعات المتعلقة بالدول الإفريقية، الدليل على ذلك المؤتمر «السرى» الذى أذيع على الهواء عام 2013 عن مشكلة مصر مع إثيوبيا بشأن سد النهضة!
وبعد ثورة 30 يونية فى مصر عام 2013 وسقوط حكم الإخوان وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2014 عادت إفريقيا إلى مقدمة أولويات الأجندة المصرية وانتعشت من جديد الدائرة الإفريقية فى السياسة الخارجية المصرية، وأصبح من الضرورى دعم العلاقات مع الدول الإفريقية فى كل المجالات سياسياً واقتصادياً وأمنياً، خاصة من خلال دعم دور الإعلام العربى فى إفريقيا مرة أخرى بالوصول إلى العقل الجمعى ووجدان الشعوب الإفريقية باعتبار الإعلام قوة ناعمة يمكن أن تعيد تقريب الرؤى وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون مع إفريقيا لا سيما فى ميادين الاستثمار والتنمية الاقتصادية والثقافية، وأتصور أن عام 2019 من المتوقع أن يكون نقطة انطلاق لمشاريع عربية فى إفريقيا تسحب البساط من تحت أرجل الأطراف التى استغلت فترة الخمول العربى - الإفريقى وحاولت إقصاءنا من إفريقيا، ولعل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى هذا العام فرصة سانحة لازدهار جديد فى العلاقات العربية - الإفريقية.