لله والوطن
لا نمل ولا نكل من القول: إن التحول إلى الإنتاج بديلاً عن الاستيراد هو الحل لأزمات مصر الاقتصادية.. وإن مستوى التقدم الاقتصادى للأمم يقاس بتقدمها الصناعي.. فالصناعة هى الركيزة الأولى والطريق الصحيح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. وكلما ارتفعت مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى.. وفى توفير فرص العمل.. وفى التصدير.. كان ذلك دليل تقدم وقوة للاقتصاد.. فالإصلاح الاقتصادى الحقيقى عماده وأساسه هو أن تعتمد التنمية على الإنتاج الصناعي.. باستخدام الموارد والثروات المحلية.. وفى مقدمتها الثروة البشرية بالطبع.. وبدلاً أيضاً من الدوران داخل دوامة الاقتصاد الريعى الذى يعتمد على «الجباية» من الشعب بأى طريقة.. ودون حساب للتكلفة الاجتماعية والسياسية الباهظة لهذه الجباية.
•• من أجل ذلك
استبشرنا خيراً فى بدايات شهر نوفمبر من العام الماضى 2017.. عندما جاءنا الخبر السعيد من محافظة دمياط.. عن نجاح مصنع إدفينا بدمياط فى إنتاج أول علبة «تونة» على خط تشغيلى داخله.. بعد توقف المصنع لفترة تجاوزت 25 عاماً عن العمل.. وبعد أن كادت آلاته تباع «خردة» فى بداية ذلك العام.. وهو إنتاج ـ وفقا لتصريحات مدير المصنع- أجود من المستورد الذى بلغت أسعاره الآن مستويات فلكية.
ولمن لا يعرف قيمة هذا المصنع.. فهو يقع فى مدينة عزبة البرج على ساحل البحر الأبيض وملتقاه مع النيل.. والتى يعمل كل سكانها تقريبا فى الصيد.. وكان هذا المصنع يعتمد أساسا على تصنيع الأسماك.. وخصوصا فى موسم السردين، حيث تمتلئ أسواق دمياط بكميات مهولة من أجود أنواع السردين.. وكانت مصر كلها تأكل إنتاج هذا المصنع من السردين المعبأ والسلمون (الماكريل) والأنشوجة.
•• وقتها
اعتبرنا ذلك خبراً سعيداً.. ليس فقط لأبناء دمياط.. وليس لأنه سيوفر إنتاجا محليا منافسا من «التونة» فى حالة عودة التشغيل التجارى لخط التصنيع.. لكن لأن إعادة تشغيل هذا المصنع فى حد ذاته يعنى -من وجهة نظرنا ـ أننا وضعنا قدمنا على إحدى أهم خطوات الإصلاح الاقتصادى الحقيقى الذى تحدثنا عنه هنا مرارا وتكرارا.. وهو استغلال الإمكانيات الصناعية والموارد الطبيعية المتاحة لتفعيل شعار «الإنتاج من أجل الاستهلاك والتصدير».. الذى هو بلا شك أحد أهم أدوات زيادة الدخل القومى وترشيد الاستيراد وتعظيم الاحتياطات النقدية بما يعود بالخير الوفير على مؤشرات الاقتصاد العام.
•• لكن للأسف
جاءتنا بالأمس أنباء محزنة من دمياط.. تؤكد أن ماكينات هذا المصنع التى تم إصلاحها بجهود عماله قد عادت للتوقف.. وتم «تكهينها» من جديد لتباع فى سوق «الخردة» وليتحول المصنع إلى «خرابة» مرة أخرى.. حتى ينتهى به الأمر إلى هدمه أو بيعه «بتراب الفلوس».
وطبعاً المستفيد الوحيد من هذا الخراب هو «مافيا المستوردين» الذين يقال إن عددهم يفوق المائة مستورد.. يحتكرون استيراد التونة من الخارج.. ويتحكمون فى أسواقها التى يغرقونها بأسوأ الأصناف المصنعة فى دول آسيوية.. ويحققون منها أرباحاً تفوق الخيال.
•• هنا
نوجه نداءً عاجلاً إلى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الحكومة.. وإلى جميع الوزراء المختصين بالاقتصاد والصناعة والتجارة والتنمية والتخطيط والمالية.. وإلى كل الأجهزة الرقابية فى الدولة.. وإلى مجلس النواب ولجانه المختصة:
مطلوب فوراً تشكيل لجان تحقيق وتقصى حقائق حول هذه المهزلة.. وتحديد المسئول عن تخريب هذا المصنع.. ومحاسبته.. وقبل ذلك وضع خطة وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة والدعم الفني.. من أجل إعادة الحياة إلى ماكيناته وإنقاذها من «التكهين».