رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

لله والوطن

 المتظاهرون فى باريس احتجاجا على زيادة أسعار الوقود وغلاء المعيشة.. ورفضا لفرض الحكومة المزيد من الرسوم والضرائب على الشعب.. يصرخون: كيف يتصور الرئيس ماكرون أن مواطنا فرنسيا يمكنه أن يعيش بدخل لا يتجاوز 2000 يورو شهريا؟.

ونحن هنا فى مصر نتابع بحسرة.. ونسأل: 2000 يورو؟.. يعنى أكثر من 40000 جنيه شهريا؟.. لو كان هذا راتب موظف عندنا لاتهمناه بالفساد.. «جتنا نيلة في حظنا الهباب»..!!

•• المسألة ليست كذلك طبعا

بل إن لنا فى ذلك درسًا.. ورسالة.. هى ببساطة: إن العبرة ليست بقدر ما يحصل عليه الفرد من نقود كدخل شهرى.. بل هى بحجم ما يستطيع الحصول عليه من سلع وخدمات مقابل هذا الدخل.. بمعنى: ما الذى يستطيع أن يشتريه المواطن الفرنسى براتبه البالغ 2000 يورو.. وما الذى تستطيع أنت شراءه براتبك البالغ 2000 جنيه.. أى مائة يورو؟.

هذا هو ما يسمونه «القوة الشرائية».. أى قدرة وحدة العملة الواحدة على شراء السلع والخدمات بالأسعار المرتبطة بها فى السوق المحلى.. ويرتبط دخل الفرد بهذه «القوة» بشكل مباشر.. لأنه كلما كان دخل الفرد مرتفعا استطاع أن يشترى سلعا أكثر ويحصل على المزيد من الخدمات.

والعكس أيضا يكون صحيحا.. إذ يمكننا القول إنه كلما ارتفعت أسعار السلع والخدمات بسبب العوامل العديدة المرتبطة بتكلفة مدخلات الإنتاج ضعفت القوة الشرائية لما يحصل عليه الفرد من نقود.

•• معنى ذلك

أن المواطن.. أى مواطن.. فى مصر أو فرنسا أو غيرهما.. لا ولن يشعر بأى مجهود مبذول فعليا لإصلاح أو تحسين أو تنمية اقتصاد دولته.. إلا إذا انعكس ذلك بشكل مباشر على مستوى معيشته.. على قدر ما يستطيع أن يحققه بدخله ليس فقط من رفاهية بل من قدرة على الوفاء بمتطلبات حياته الأساسية.. فلا معنى لأن أحصل على دخل شهرى 2000 يورو أو 40000 جنيه وأشترى لتر البنزين بـ 1.5 يورو.. أو 30 جنيهًا.. أى أملأ خزان وقود سيارتى سعة 40 لترا مثلا مقابل 60 يورو أو 1200 جنيه كل مرة.. وقس على ذلك أسعار كل السلع والخدمات.

بسبب ذلك.. لا نشعر نحن هنا فى مصر بأننا نجنى ثمار إجراءات الإصلاح الصعبة.. رغم ما ترد علينا به الحكومة من أن هناك إنجازات كثيرة تحققت.. وأننا «تخطينا عنق الزجاجة».

صحيح أن كثيرين منا قد يكونون قد حظوا بزيادات ملحوظة فى قيمة دخلهم.. لكن بلا فائدة.. لأن هذه الزيادة لا تقابلها أية زيادة فى القوة الشرائية للمال.. بل بالعكس انخفضت هذه القوة كثيرا فى ظل ارتفاع الأسعار الكبير وتحميل السلع والخدمات بالمزيد من الرسوم والضرائب وفروق الانخفاض الكبير فى سعر العملة المحلية.. أضف إلى ذلك إخفاق الأجهزة الرقابية فى مواجهة «مافيا الاحتكارات».

•• درس آخر

أو عبرة أخرى تأتينا من «ثورة السترات الصفراء» كما يسميها الفرنسيون نسبة إلى لون الملابس التى يرتدونها أثناء الاحتجاجات المندلعة فى باريس.. هذه العبرة هى أن الشعوب.. أى شعوب لديها دائما «خط أحمر» لا يجب تجاوزه أبدا فى قدرتها على تحمل ما تفرضه عليها الحكومات باسم إجراءات الإصلاح الاقتصادى.. سواء كانت هذه الإجراءات فى شكل ضرائب أو رسوم تنمية لموارد الدولة أو رسوم تحت أى مسميات أخرى.. أو زيادات فى أسعار السلع والخدمات الأساسية نتيجة لتخفيض ما تتحمله موازنة الدولة من نسبة دعم لهذه السلع والخدمات.. وتحميل كل ذلك على كاهل المواطن.. دون رحمة.. أو دون مراعاة للحد الأقصى من قدرة هذا المواطن على التحمل والتضحية.

•• لماذا؟

لأن كل هذه الضغوط حتمًا يمكن أن تؤدى إلى الانفجار.. مهما كان مستوى رضا هذه الشعوب عن حكوماتهم وحبهم لقياداتهم.. ومن أجل ذلك كانت حكومات وأنظمة كثيرة سابقة.. فى فرنسا ومصر وغيرهما.. لا تجرؤ مطلقًا على تجاوز مثل هذه «الخطوط الحمراء».