لله والوطن
وسط ضجيج شكاوى الناس من فوضى أسعار السلع الغذائية.. الفاكهة والخضراوات بشكل خاص.. والدعوات المتزايدة لحملات المقاطعة الجماعية لهذه السلع.. خرج هذا التصريح المستفذ و«غير المسئول» من رئيس جهاز حماية المستهلك التابع لوزارة التموين والتجارة الداخلية.. ليغسل يده من معاناة المستهلكين.. مؤكدا أنه «لا يوجد قانون يحاسب التاجر على ارتفاع الأسعار».. وتلك هى المصيبة!!
•• الدكتور راضى عبد المعطي
يقول: «لسنا جهة حكومية تراقب الأسعار فى ظل إلغاء التسعيرة الجبرية».. وإن دور الجهاز يقتصر على القيام «بحملات توعية للمستهلكين فى حال ارتفاع الأسعار، حيث يجب ترشيد الاستهلاك».. وإن «المخالفات التى يتم تحرير محاضر لها تشمل فقط البيع بأزيد من الأسعار المعلنة»..!!
أفادكم الله.. يعنى كل ما يفعله الجهاز عند ارتفاع الأسعار هو أن يقول لك: «لا تشتري»!!.. وما يعتبره مخالفة هو فقط أن يبيع لك التاجر كيلو البلح بـ 35 جنيها وهو يكتب عليه 30 جنيها.. لكن لماذا يكون سعر البلح مبالغا فيه هكذا؟.. ليست مشكلة الجهاز.. لأن هذه هى «آليات السوق».. ولأن القانون من وجهة نظره لا يحاسب التاجر الذى يرفع الأسعار..!!
•• ونرد عليه:
لا يا سيدي.. هذا ليس هو الاقتصاد الحر.. وقلناها مرارًا وتكرارًا: إن الأخذ بنمط «آليات السوق» لا يعنى مطلقًا أن ترفع الدولة أيديها تماما عن الأسواق.. حيث يقع المستهلك فريسة للممارسات الاحتكارية.. وإذا كان صحيحًا أنه فى «الاقتصاد الحر» لا توجد أسعار إجبارية.. فإن ذلك أيضًا لا يعنى انعدام دور الدولة فى حماية المستهلك وفى القضاء على الاحتكارات التى تتلاعب بالأسعار.. سواء أكان ذلك بالحماية القانونية والتشريعية أم بالرقابة المباشرة.. ويظل هنا دور أجهزة الرقابة الرسمية هو الأساس.. لأن الدولة هى التى ستتحمل فى النهاية تبعات انفلات الأسعار وما تخلفه من تأثيرات اجتماعية وسياسية.
كما أنه ليس صحيحا عدم وجود قانون يحاسب التاجر على ارتفاع الأسعار.. فهناك قانون المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذى يجيز ذلك.. وهو بالمناسبة يجيز أيضًا أن يتم تحديد سعر بيع منتج أساسى أو أكثر لفترة زمنية محددة بقرار من مجلس الوزراء.
•• وهنا
فى مسألة انفلات أسعار الفاكهة والخضراوات مثلا.. فإننا أمام قضية ممارسات احتكارية فعلية.. تحتم التدخل الرسمى لفرض إجراءات حماية للمستهلك المتضرر من هذه الأسعار.. وأنت عندما تسأل البائع عن سبب ارتفاع الأسعار يقول لك إن «كبار التجار» يتعمدون تقليل المعروض لترتفع الأسعار.. ويبيعون السلع بالأسعار التى يحددونها هم وليست الأسعار العادلة القائمة على حسابات التكلفة الحقيقية وهامش الربح الشرعي.. والتى تحقق مصالح وفائدة كل من المنتج والتاجر والمستهلك.
هذا يعنى أن هناك «محتكرين» يتحكمون فى الأسواق ويضرون بالمستهلك.. والدولة هنا مسئولة عن حماية هذا المستهلك ومقاومة هؤلاء المحتكرين.
نعلم أن المختص بذلك هو جهاز آخر.. تابع للدولة أيضا.. هو جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.. لكن ما نقصده هو أن هذه الأجهزة ليست جزرًا منعزلة.. ويجب التنسيق بينها.. فكلها تمثل حلقات متصلة فى منظومة واحدة من القوانين والنظم وسياسات التجارة الداخلية التى تهدف إلى ضمان تحقيق الفائدة لكافة أطراف السوق.. وأهمها المستهلك الذى يجب أن يحصل على السلع والخدمات بأسعار أقل وجودة أعلى.
•• وهذا
ما نرى أنه لم يتحقق حتى الآن لسببين.. هما عجز منظومة «حماية المستهلك» عن القيام بدور فاعل فى ضبط الأسواق.. والاعتقاد الخاطئ بأن الاقتصاد الحر يعنى إعفاء الدولة من مسئوليتها عن حفظ توازن الأسواق.