لله والوطن
في بداية كل شهر.. يضج مستخدمو عدادات الكهرباء مسبوقة الدفع بالشكوى من مغافلة شركات التوزيع لهم.. وقيامها بسحب الرصيد المالي من العدادات لتصل الى «الصفر».. وبالتالي ينقطع عنهم التيار.. ويكون ذلك في منتصف الليل.. أي الساعة 12 مساء آخر يوم في الشهر.. ولا يكون لديك خيار سوى أن تقضي الليل في الظلام.. والحر.. إلى أن يصبح الصباح وتجد موظفا في الشركة يعيد لك شحن العداد.
•• يحدث ذلك
ويتسبب في سخط وغضب شديدين لدى مستخدمي هذه العدادات.. الذين يتهمون شركات التوزيع بسرقة أموالهم. والإضرار بهم عمدا.. وعدم الاستماع الى شكواهم أو محاولة إيجاد حل لهذه المشكلة التي أصبحت تؤرقهم كل شهر.
وما لا يعرفه الكثيرون من هؤلاء الشاكين هو أن هذه المشكلة تعود أساسا الى الأسلوب الظالم وغير المنطقي الذي تتبعه الوزارة في احتساب شرائح الاستهلاك بشكل عام.. سواء مع مستخدمي العداد مسبوق الدفع أو غيره من الأنواع.. فما يحدث هو أنه في نهاية كل شهر يتم محاسبة المستهلك بسعر آخر شريحة استهلاك وصل إليها.. وتجرى تسوية للحساب عن طريق السحب من رصيد العداد.. والذي لا يكون كافيا في العادة وبمجرد إعادة الشحن يتم السحب من الرصيد مرة أخرى لاستكمال التسوية.
•• هذه الإشكالية
تعيدنا مرة أخرى الى الحديث عن الظلم البيِّن الذي ينطوي عليه أسلوب المحاسبة بالشرائح.. حيث يزيد السعر كلما ارتفع الاستهلاك.. حسب النسب التي حددتها الوزارة.. وللأسف أقرها البرلمان.. وتقوم «فلسفة الشرائح» هذه ـ من وجهة نظر الحكومة ـ على ضمان وصول دعم الكهرباء الى مستحقيه.. وليس لأصحاب الدخول المرتفعة مستهلكي الشرائح العليا من الكهرباء.
وبصرف النظر عن أن قيمة الشرائح الدنيا التي يحددها نظام المحاسبة لا تمثل إلا حجما قليلا جدا من المستهلكين.. وأن الغالبية العظمى منهم تدخل بالفعل في الشرائح العليا.. ناهيك عن الارتفاع المستمر والممنهج في أسعار البيع التي ستصل بعد ذلك الى سعر التكلفة حسب الخطة الموضوعة والجدول الزمني.. وهو ما ستسقط معه حجة «الدعم لمستحقيه» أساسا.. فإن نظام «الشرائح» هذا نراه من وجهة نظرنا ظالما ومخلا بمبدأ المساواة في الحقوق.. ونتصور أنه لو طعن أحد المعنيين على هذا المبدأ أمام المحكمة الدستورية العليا فإنه سيحصل على حكم ببطلانها بالتأكيد.. وخصوصا في مسألة احتساب قيمة الاستهلاك كله على أساس سعر آخر شريحة وصل اليها المستهلك.
•• فالعدل
هو أن يحصل الجميع.. دون تفرقة أو استثناء على نفس الحقوق.. وبصرف النظر عن القدرة المالية.. هذا مبدأ دستوري.. وعلى ذلك يكون من حق أي فرد أن يحصل على التيار بأسعار كل الشرائح التي حصل غيره عليها.. بالإضافة الي تحمله السعر الأعلى عن الاستهلاك الفعلي الذي حصل عليه في الشرائح الأكبر بعد ذلك.
بمعنى أن تتم محاسبة كل فرد عن طريق تقسيم استهلاكه الى شرائح.. واحتساب كل شريحة بسعرها الذي حددته الوزارة.. لا أن تتم محاسبته على كل الاستهلاك بسعر الشريحة الأعلى .. لأن في ذلك إهدار لحقه في المساواة مع غيره.
•• ومن هنا
نرى أنه من العدل أن يتم تعديل هذا النظام الظالم.. وهو مانتصور أنه سينهي تماما هذه المشكلة التي تتكرر في نهاية كل شهر مع مستخدمي العدادات مسبوقة الدفع.. حتى ولو أدى ذلك الى انخفاض إيرادات شركات الكهرباء.. فالأصل في المسألة ليس هو ملء خزائن الشركات بالمال.. بل هو تحقيق العدالة الاجتماعية الناجزة.. وحفظ الحقوق بين الناس.