مر أكثر من نصف قرن على هزيمة الخامس من يونيو «حزيران» عام 1967، والتى اشتهرت فى أدبيات السياسة العربية بـ«النكسة»، وأعتقد أن واحداً وخمسين عاماً فترة كافية لكشف حقائق غير واضحة ما زالت تثير الكثير من الجدل حول الأسباب التى أدت إلى وقوع الهزيمة والنتائج المترتبة عليها وتحديد المسئول أو المسئولين عنها!
وأرى أن إزاحة الستار عن أسرار هذه الهزيمة العربية، ترتبط بتوافر الوثائق التى تضع النقاط فوق الحروف، وتجلى الصورة المتعلقة بها خاصة أن معظم أبطال «رواية النكسة» أصبحوا الآن فى ذمة الله ولهذا يترك الحكم النهائى للتاريخ!
الأمر الذى يجعلنى أتناول ذكرى حرب يونيو من منظور سياسى وقيمى ليس دفاعاً عن أو إدانة فترة عصيبة من التاريخ العربى، إنما لتأمل ودراسة تداعيات ما حدث فى 67.
وإحقاقاً للحق إنها تداعيات فى الإجمالى سلبية ولكنها تحمل معانى إيجابية فى آن واحد وأستطيع أن أقول إنها أثرت فى المدى المتوسط والبعيد على ما يمكن تسميته بـ«الحالة العربية»، ومن بينها الصورة القومية لمصر والأمة العربية فى ذهن الآخر من جهة ومشاعرنا نحن الذين نشأنا على قيم العروبة والتوحد العربى لدرجة أن شعورنا بالعزة والكرامة الذاتية كان مسيطرا على فكرنا فى هذا الوقت وعندما وقعت الهزيمة شعرنا بالتناقض بين الواقع المرير وما رسخ فى عقولنا!
غير أن الأهم من وجهة نظرى ماذا حدث فى تنشئة أجيال ما بعد النكسة؟ لقد تشكلت المدركات الثقافية خاصة السياسية منها لجيل النكسة وما بعده من رحم الشعور بالهزيمة تارة، والقدرة على تجاوزها والنهوض من الكبوة تارة أخرى، والوقوع فى تناقضات مرحلة السبعينيات والثمانينات تارة ثالثة!
ولهذا كان طبيعياً أن يسيطر الإحباط نتيجة صدمة الهزيمة على تصرفات العقل والفكر العربى فى ذلك الوقت ونحمد الله أن هذا الوضع لم يستمر طويلاً لأنه فى اللحظة نفسها اخترقت محاولات النهوض من الكبوة وإعادة بناء القوة العربية صمت ظلام اليأس والهزيمة وتوحد الجميع – رغم مرارة الموقف - بلا استثناء تحت شعار «إزالة آثار العدوان» وذلك بعد أيام قليلة من وقوع الهزيمة!
ويمكن القول، إنه من نقطة رفض الهزيمة كانت نقطة الانطلاق نحو إعادة النظر فى معطيات واقع النكسة وتطويعة «بشكل إيجابى»، فى اتجاه تعميق الانتماء القومى العروبى، وفى محاولة لملمة الكيان المصدوم «المهزوم نفسياً قبل أن يكون مهزوماً عسكرياً»، وتجاوز بشكل عملى ما حدث، والأسبوع القادم نجيب على سؤال هل نجحنا فى الارتقاء فوق مشاعر الإحباط والهزيمة أم لا؟