نواصل الحديث عن كواليس ما حدث في ماسبيرو يوم 3 يوليو 2013؛ حيث لم أتحدث إلى وزير الإعلام، ولكن كانت كل الاتصالات تتم عبر رئيس الاتحاد، وقد ساعدنى ذلك على إدارة التغطية بهدوء بعيداً عن أى ضغوط، وأعطي الفرصة للفريق المعاون ومن هم تحت رئاستهم من التنفيذيين للعمل وفق ما يمليه عليهم ضميرهم المهنى، وكان متوقعاً أن يصدر بيان عن القوات المسلحة فى الساعة الرابعة، ولكن الوقت كان يمر ببطء والشوارع والميادين تمتلئ بالجماهير، وأغلق مبنى ماسبيرو أبوابه، وأحكمت السيطرة الأمنية عليه، وغادر الوزير المبنى للمرة الأخيرة عصر هذا اليوم ربما بتعليمات من مكتب الإرشاد الذى كان يسيطر، أيضاً، على كل الموجودين بقصر الاتحادية بمن فيهم الرئيس!!.
وتوجهت إلى مكتب رئيس الاتحاد لإدارة الموقف فى إطار ما يشبه القيادة الجماعية، ومرت الدقائق ساعات، ونحن في انتظار اللحظة الحاسمة، إما بالنقل على الهواء لإذاعة بيان الجيش أو وصول البيان مسجلاً، وساد الجميع القلق كلما تأخر وصول البيان لاسيما أننا دخلنا إلى ساعات المساء، وكانت غرفة الأخبار تجهز نشرة التاسعة، وهي النشرة الرئيسية بالقناة الأولى بالتليفزيون المصرى.
وفي الساعة الثامنة مساء وصلنى أول اتصال من إدارة الشئون المعنوية مفاده أن شريطاً يتحرك نحو مبنى ماسبيرو، وكنت أتابع من مكتبى التحرك لحظة بلحظة بينما الفريق المعاون وفرق العمل على أهبة الاستعداد سواء في صالة تحرير الأخبار واستديوهات الهواء، فيما توقعت وصول الشريط، إما قبل نشرة التاسعة أو أثناءها وفي كل الأحوال اتفقنا على أنه بمجرد وصول الشريط تضم كل القنوات المرئية والشبكات الإذاعية على استديو 11 الخاص بالأخبار بإشارة معينة وهي إذاعة أغنية المطربة شادية «يا حبيبتى يا مصر» بعدها يتوحد إرسال الإذاعة والتليفزيون.
وفي الساعة الثامنة و50 دقيقة مساء وصل الشريط، وانتقلنا إلى الاستديو وفي الساعة التاسعة حبسنا الأنفاس حتى سمعنا صوت شادية يشدو، ويتوحد الإرسال فيما تسلم مذيع الاستديو مقدمة الخبر ليقدم الحدث الذي ينتظره الملايين، وتضم كل القنوات الفضائية في مصر والعالم العربى على القناة الأولى بالتليفزيون المصري الرسمي فيما طيرت الخبر العاجل وكالات الأنباء وكثير من المحطات الإخبارية العالمية.
وبدأ الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة يلقي البيان في مؤتمر حضره رموز الأمة السياسية والدينية ويعلن أنه استجابة لإرادة جماهير الشعب المصري، فقد تقرر تعطيل العمل بالدستور، وعزل محمد مرسى وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مقاليد الحكم حتى إجراء انتخابات رئاسية، وحدد البيان خارطة للمستقبل من عدة نقاط تبدأ بإعداد دستور جديد يتم الاستفتاء عليه ثم تتوالى بعد ذلك بقية الاستحقاقات.
ولم يتمالك الجميع أنفسهم وسالت دموع الفرح بنجاح الثورة وتعانقوا في لحظة تاريخية حاسمة اعتبرتها الإنجاز الأهم في حياتى المهنية على مدار أكثر من 38 عاماً.
ولا شك أن الساعات الحاسمة التي عشناها بكل مشاعرنا وقوانا يوم 3 يوليو عام 2013 كانت أمراً طبيعياً لإنقاذ البلاد من حكم «فاشي» كاد أن يلقيها في هاوية التخلف والضلال. وعندما غادرت المبنى في الساعات الأولى من فجر يوم الرابع من يوليو شعرت بأنني أتنفس هواء مختلفاً عن ذي قبل (هواء بلا إخوان)، وسرت بصعوبة بين الآلاف الذين أحاطوا بمبنى ماسبيرو بكورنيش النيل، وقد عادت البسمة لوجوههم وارتفع علم مصر في كل مكان، فيما غطت الألعاب النارية سماء العاصمة لتبدأ مصر صفحة جديدة من تاريخها!!