رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يوم هب الشعب المصرى من كل فج عميق صوب مدينة القاهرة ليودعوا زعيم الأمة مصطفى باشا النحاس إلى مثواه الأخير، وكنت يومها فى مدينة ميونيخ بألمانيا طلبًا للعلم، وجاءت الصحف السيارة فى ذلك اليوم ممتلئة بالحدث عن مظاهرة ومسيرة نعش «النحاس» محمولا على أيدى أبناء مصر من شتى الاتجاهات وجاء فى صدر هذه الجرائد جميعًا عنوان أثار الاهتمام، جاء بها فى الصفحات الأولى هذا العنوان: «للمرة الأولي فى حكم عبدالناصر يهتف الشعب المصرى من كل الجبهات لرجل ليس هو ناصر»، وكان لذلك معنى أن الشعب بعد سنوات من حكم عبدالناصر والهتافات إليه والأغانى والأناشيد يأتى صوت وراء الغيب ينادى فى حب وحماس.. إلى جنة الخلد يا مصطفى النحاس.

النحاس ضمير الأمة.. وتزدحم الموكب بهتافات صادرة من أعناق القلوب: شيبا وشبانا، رجالا ونساء.. ومشى جلال الموت فى ظل الدعاء للراحل العظيم.. مصطفى النحاس وحملوه ووضعوه فى قبره.

وكأن الشاعر كان يعنيه:

يا قبر هلل وألقى ضيفك حاسيصًا

عزيز علينا أن نرى فيك مصطفى

شهيد الحرية والحق والعدل إليك آتيا

<>

الإمام الفقيه أحمد بن حنبل ضد الوالى الذى أمر بحبسه لم يقل سوى هذه العبارة:

لكم الدنيا ولنا الآخرة

ليس بيننا  وبينكم إلا الجنائز

وفعلا مشت الأمة خلف جنازة الإمام الفقيه ومات الخليفة غريبًا فريدًا.. وغاب عنه حب الناس ودعؤهم.

<>

إذن الجنازة هى الحكم الحقيقى لعظماء البشر، إلا أن كل من عليها فإن، ولا يبقى كما قال الحكماء: «ليست الرجال قيلا وقال بل أمجاد وفعال». كان «النحاس» كما وصفه أولو العزم «صوفيا» لا يعرف إلا حقوق الله الخالق، وحقوق الأمة التى عبر عنها «بأنها مصدر السلطات».

ودفات قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثوان

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها

فالذكر للإنسان «عمر ثانى»

<>

وهكذا الفقيد العزيز على الأمة مصطفى النحاس قد شيد حياته مملوءة بالبطولات علمًا وخلقًا وسياسة وعظات بالغات.. وفى يوم من أيام ذكراه ذهبنا مجموعة وفدية لنجدد معه العهد أمام قبره، وكأننى بما قاله الشعار فى مناسبة ذكر الأحباب فى قبورهم، كأنه يرتل فى حزن وكأنه يناجى مصطفى النحاس فى قبره يناجيه ويهتف باسمه حال حياته:

اليوم نادى داعى الوفا

انهض من قبرك يا مصطفى

مصر الحبيبة  قد ذكرت لك اسمها

وأرى ترابك قد هفا

فكأننى بالقبر أصبح منبرًا

وكأننى بك موشك أن تهتفا

وقد قالها حيا، مصر فى قلوبنا وديعة، لها نحيا وفى سبيلها نموت، الحق عنده فوق القوة، والأمة فوق الحكومة.

رددها بالحب واليقين صادرة من فم زعيم الأمة وصاحبه فى الكفاح والوطنية.. سعد باشا زغلول.. وكما قلت عنه فى خطاب فى الاحتفال بذكرى وفاته: «ذكر يدوم أبد الآبدين، ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين:

ذكر يعطره الإيمان وحب الأوطان

ذكر يرتله السجود الركع

وهذا هو نبع القلب حين يحب زعيمًا مصريًا خالص الوفاء للوطن إنه حقًا وصدقًا كما قيل عنه: «إن مصطفى النحاس من أولياء الله الصالحين»، فسلام الله عليا يا مصطفى.. سلام عليك فى الخالدين.. إلى يوم الدين.