فى ذات يوم قال عميد الأدب العربى د. طه حسين إن التعليم كالماء والهواء وأضيف اليوم أن الدواء لا يقل أهمية عن التعليم، لأنه وسيلة استمرار للحياة وكنت قد عملت فى سلطنة عمان فى الثمانينيات من القرن الماضى، وكانت هذه الدولة تطبق نظاماً متقدماً جداً للرعاية الصحية على المواطنين والمقيمين، ونفس الشىء وجدته فى دبى فى التسعينيات، حيث اكتشفت أنها تطبق نظاماً أكثر تقدماً وعندما زرت المملكة المتحدة تعرفت على نظام التأمين الصحى الذى يمثل مظلة تجمع تحتها كل من له حق العيش والإقامة بهذا البلد.
إن العلاج والدواء حق إنسانى قبل ان يكون حقا دستوريا، وقد حاولنا تطبيق نظام للتأمين الصحى منذ ستينيات القرن الماضى، ولكن شابه الكثير من السلبيات وكانت النتيجة أن الكثيرين من أبناء هذا الوطن لا يخضعون له، على الرغم من أن نسبة كبيرة منهم فى أشد الاحتياج للعلاج، نظراً لسوء الخدمات المقدمة وتردى مستوى مستشفيات التأمين الصحى والمعاناة التى يقاسى منها الخاضع لنظام التأمين الصحى، بسبب تغول البيروقراطية الأمر الذى يجعله يحجم عن الاستفادة من هذا النظام المعيب الذى يقتطع من قوته ويدفع شهريا مقابلاً له دون جدوى، إن هذا النظام أصبح يحتاج تطويراً أو إنشاء نظام حديث يتفق والأنظمة المطبقة حاليا فى كثير من دول العالم النامية قبل المتقدمة!
ولا شك خطوة طيبة التى تمت بين وزارة الصحة ونقابة الصيادلة بشأن أزمة ارتفاع أسعار الدواء بشكل أصبح من الصعب على المواطن «المستور» أن يجاريه، فما بالكم بالمواطن «الفقير» ولهذا الذي يحدث يجعلنا نفكر من جديد فى حتمية وجود نظام متطور للتأمين الصحى يتسم بالآدمية ويحافظ على كرامة الإنسان بحيث تضمن الدولة توفير الرعاية الصحية لكل من يعيش على تراب هذا الوطن، ومن وجهة نظرى العلاج والدواء أهم من الطعام، لأن الإنسان يمكن أن يتحمل قلة الطعام، لكنه لا يستطيع ان يستغنى عن جرعة العلاج أو الدواء، حيث إن نقص الدواء يمكن أن يكون الفاصل بين الحياة والموت.
وعلى هذا الأساس يعتبر نشر مظلة حقيقية للرعاية الصحية، أحد أهم الواجبات الاساسية التى يجب ان تحققها أى حكومة فى دولة تحترم أبناءها، وحتى يتحقق ذلك ولمواجهة أزمة ارتفاع اسعار الدواء التى نعيشها حاليا هناك اقتراح بإنشاء مؤسسة «أهلية» تحت اسم بنك الدواء التى تقوم على مبدأ التكافل المجتمعى لتوفير العلاج الإنساني والدواء اللازمين لكل من يحتاجه طالما تعثر فى توفيرهما او الحصول عليهما وقوام هذا المشروع أن يتبرع المصريون «عينيًا» بكميات الأدوية الصالحة الموجودة فى كل بيت مصرى طالما صالحة للاستعمال ولا تستعمل وهى ظاهرة يتميز بها البيت المصرى!
هذا فضلا عن التبرع «مالياً» من خلال منافذ الزكاة وغيرها لصالح هذا البنك ومن خلال أشكال المشاركة المجتمعية الممكنة كافة ويتم إلحاق فروعه بالصيدليات مثلاً لإدارته بشكل كفء، وإنشاء مقار له تتركز فى المناطق الفقيرة والنائية والمحتاجة للرعاية الصحية العاجلة، ويجرى توزيع الدواء وفقا لقواعد تضمن وصوله إلى المحتاجين إليه فى أسرع وقت ممكن بلا أى عناء أو تكلفة على المريض وإن كان هذا العمل التكافلى لا يغنى عن مظلة حقيقية وشاملة للرعاية الصحية المتكاملة!