وقفنا فى الحلقة السابقة عند اغتيال أحد أفراد عصابة الجهاز السرى للإخوان النقراشى فى 28 ديسمبر عام 1948 وتكليف الملك لإبراهيم عبدالهادى بتشكيل الوزارة الجديدة مساء نفس اليوم، ولم تستمر وزارة عبدالهادى فى الحكم سوى سبعة أشهر حتى 26 يوليو عام 1949 شهدت البلاد خلالها أكثر موجات العنف والقمع دموية، فقد فتحت الوزارة السجون والمعتقلات فى الصحراء وفى جبل الطور بسيناء شحنت فيها الآلاف من أعضاء الإخوان المسلمين وجهازهم السرى وتعرض المعتقلون لأشد أنواع التعذيب، وقيل إن عدة مئات منهم ماتوا تحت وطأة التعذيب ودفنوا فى الصحراء فى قبور مجهولة.
فى نفس الوقت، كان شباب الحزب السعدى يصرخ طالباً الثأر للنقراشى، ورتب القلم السياسى بالبوليس «أمن الدولة حالياً» عملية اغتيال حسن البنا التى تمت فى 12 فبراير عام 1949 وهو فى طريقه لجمعية الشبان المسلمين بعد أن فشلت مساعيه فى أن تعتقله وزارة الداخلية لتجنيبه الاغتيال، ولم تعرف تفاصيل شبكة الاغتيال إلا بعد وقوع الانقلاب العسكرى فى 23 يوليو عام 1952 فقدم المتهمون بالقتل إلى المحاكمة وحكم عليهم بمدد سجن طويلة وكان قائدهم لواء شرطة حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً.
وهكذا طويت صفحة حسن البنا وحلمه الساذج فى الاستيلاء على السلطة فى مصر، وتقضى أمانة العرض أن نذكر أن حسن البنا كان له بعض العذر فى غبائه السياسى، ففى مطلع عام 1948 كانت بمصر بعثة تعليمية يمنية تضم أبناء وأحفاد الإمام يحيى ملك اليمن وبعض شباب القبائل اليمنية الكبيرة كانوا يتلقون علومهم فى مصر، وكان أحد هؤلاء الشباب يدعى عبدالله بن الوزير من قبيلة يمنية قوية، وساق القدر عبدالله إلى طريق حسن البنا، فانبهر الشاب به وصار طوع إرادته، وأقنعه حسن البنا بالعودة إلى اليمن وتجنيد مجموعة تقتل الإمام يحيى وتستولى على السلطة فى اليمن، وفعلاً نفذ الشاب ومجموعته الجريمة فى فبراير عام 1948 وقتلوا الإمام يحيى واستولوا على السلطة فى صنعاء فهرب الأمير أحمد، ولى عهده إلى الشمال حيث احتمى بقبائل اليمن الشمالية وحشدها للعودة إلى صنعاء لحصارها واستردادها، وخلال أسابيع تعد على أصابع اليد الواحدة كان أحمد إمام اليمن الجديد قد اقتحم صنعاء وقبض على ابن الوزير وقطع رأسه فى أكبر ميادين صنعاء.
ولكن خلال الأسابيع التى كانت صنعاء فيها تحت حكم ابن الوزير أسكرته خمرة النصر وأرسل لحسن البنا فى مصر برقية مفتوحة بالتلغراف الدولى العادى نصها: «احضر لتأسيس الدولة الإسلامية»، وسيطر جنون النصر على حسن البنا وأرسل بضع مئات من أتباعه إلى اليمن كمقدمة قبل حضوره إليها، ولكن قبل وصول حسن البنا لليمن كان الإمام أحمد قد اقتحم صنعاء وكان رأس ابن الوزير المقطوع يتدحرج على أرض الميدان الرئيسى فى صنعاء.
وهكذا مات حلم اليقظة وإن كان قد ترك فى عقل البنا الساذج أملاً فى أن الاستيلاء على السلطة فى مصر لن يكون مستحيلاً، وأن يستطيع الاحتفاظ بها ويتجنب أخطاء ابن الوزير التى أضاعت اليمن.
نعود إلى مصر وجو القمع الشديد الذى فرضته وزارة عبدالهادى الذى وقعت له محاولة اغتيال كبيرة وهو فى طريقه من منزله فى المعادى إلى الوزارة فى القاهرة، وكان حامد جودة، رئيس مجلس النواب السعدى قد سبق عبدالهادى بكيلومترات قليلة فى الطريق من المعادى للقاهرة، فظن المتربصون أنه إبراهيم عبدالهادى وكان الكمين فى منطقة مصر القديمة، وما إن ظهرت سيارة حامد جودة التى ظنها المتربصون سيارة عبدالهادى حتى أمطروها بمدافعهم الرشاشة، ولكن جودة أفلت من الموت بمعجزة.
الرئيس الشرفى لحزب الوفد