رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

 

وقفنا فى المقال السابق عند صدور دستور 1923، وإجراء أول انتخابات بموجبه أوائل سنة 1924 اكتسحها الوفد بنسبة 90٪ من مقاعد البرلمان، واضطر الملك فؤاد لدعوة سعد زغلول لتشكيل الوزارة التى شكلها سعد فى مارس 1924 بعد أن تلكأ الملك فى تكليفه بتشكيلها طبقاً للدستور باعتباره زعيماً للأغلبية التى فازت فى الانتخابات. وقد قدم يحيى باشا إبراهيم استقالة وزارته فور ظهور نتيجة الانتخابات. وظل الملك فؤاد يسوّف فى تكليف سعد بتأليف الوزارة. وقد وقعت المواجهة الدستورية الأولى بين الملك وسعد فى خطاب تكليفه بتشكيل الوزارة، فقد كان خطاب الملك يقول: «بما لنا فيكم من الثقة اقتضت إرادتنا توجيه سند رياسة مجلس وزرائنا مع رتبة الرئاسة الجليلة لعهدتكم». أى أن الملك هو صاحب الحق المطلق وليس الدستور الذى ينص على أن يشكل زعيم الأغلبية الوزارة.

ولم يترك سعد الفرصة، فكان رده على تكليف الملك هو تجاهل المعنى الذى ورد فى خطاب الملك والرد بأن وصول الوفد الحكم نتيجة لثقة الأمة ونوابها.

وجاء الصدام الثانى على المادة 74 من الدستور التى تنص على أن يؤلف مجلس الشيوخ من عدد يعين الملك خمسيهم، وينتخب الثلاثة أخماس. وأراد الملك أن يكون الحق فى اختيار الخمسين له وحده. ورفض سعد على الفور مذكراً الملك أن المادة 48 من الدستور تنص على أن الملك يباشر سلطاته من خلال وزرائه، واحتكم الطرفان إلى البارون فاندن بوسن البلجيكى الذى كان عندئذ نائباً عاماً لدى المحاكم المختلطة الذى أيد وجهة نظر سعد. وتراجع الملك على مضض شديد وتم تعيين خمس أعضاء مجلس الشيوخ بترشيح من الوزارة، واعتماد الملك وصدور المرسوم الملكى بذلك.

وكان المندوب السامى البريطانى ممثل سلطة الاحتلال يرقب الصراع ويشجع الملك سراً عليه. وبدأ الملك عن طريق بعض رجاله فى خلق المشاكل للوزارة. فقام حسن نشأت وكيل وزارة الأوقاف بتدبير مظاهرة من طلبة الأزهر فى 2 نوفمبر 1924 تهتف بسقوط الوزارة وتردد مطالب فئوية. وكافأ الملك حسن نشأت على ذلك بتعيينه فى 8 نوفمبر وكيلاً للديوان الملكى ورئيساً له بالإنابة. وبدأ الملك فى تحريض بعض الوزراء على الاستقالة، فاستقال توفيق نسيم، وزير الملك فقطع سعد على الملك مؤامرته وقدم استقالة وزارته للملك فى 15 نوفمبر وخشى الملك من قبولها خوفاً من ثورة شعبية، حيث خرجت مظاهرات عارمة تهتف «سعد أو الثورة». وأعلن مجلسا البرلمان ثقتهما فى الوزارة، فأسقط فى يد الملك.

فى هذه الأثناء كان التعاون السرى بين الملك والمندوب السامى البريطانى يعمل على الخلاص من سعد، فقد أدركت بريطانيا أن سعد لن يكون رئيس الوزراء الذى يقبل توقيع معاهدة مع بريطانيا يتنازل فيها عن أى من المطالب الشعبية، وعلى رأسها جلاء جيش الاحتلال البريطانى كاملاً عن مصر. وفجأة وقع حادث ضخم نعرف من دبره عندما نعرف المستفيد منه. وبيان باختصار كالآتى:

كان السودان وقتها يسمى «السودان المصرى الإنجليزى» وكانت فيه قوات عسكرية من كل من  مصر وبريطانيا، أما حاكمه العام فكان دائماً بريطانياً فقد كانت مصر نفسها فى قبضة بريطانيا، وكان حاكم السودان العام عندئذ هو السير لى ستاك. ووسط هذا الاضطراب السياسى إذا بجماعة سرية تقوم باغتيال السيرلى ستاك فى القاهرة. وثارت بريطانيا وقدمت إنذاراً للوزارة بسحب الجيش المصرى من السودان، ودفع غرامة لأسرة الحاكم العام قدرت بنصف مليون جنيه. وكان مبلغاً مهولاً وقتها.

وحتى ندلل على أن المستفيد من الجريمة هو مدبرها نذكر أن أرملة السيرلى ستاك وهى فى مرافقة جثة زوجها إلى بريطانيا تقدم المندوب السامى البريطانى بمد يده لمصافحتها أمام من حضروا لعزائها، فدفعت يده بشدة وقالت أمام المعزين: «أنت تعلم من قتل زوجى». صورة أخرى من قيام بريطانيا سراً بالتضحية ببعض رجالها مهما علا قدرهم لتحقيق هدف استعمارى أهم. وقد تكرر ذلك خلال الأربعينات، كما سيأتى فى حينه. رفض سعد الإنذار البريطانى وقدم استقالة وزارته، وسارع الملك بقبولها، وبدا أن البلاد على وشك الدخول فى أزمة سياسية وطريق مسدود.

وكلف الملك أحد رجاله المخلصين، وهو عبدالخالق ثروت بتشكيل الوزارة بعد استقالة سعد. وأعلن ثروت على الفور قبول الإنذار البريطانى ودفع النصف مليون جنيه، وكان شعار وزارته أنها «وزارة إنقاذ ما يمكن إنقاذه».

وفى الشهور العشرة التى تولت فيها وزارة الوفد 1924 وضعت أول لبنة من لبنات التعليم المجانى، فجعل التعليم الإلزامى مجانياً فى 1924. وتلت ذلك فى وزارات الوفد التالية كما سيأتى فى حينه مجانية التعليم الابتدائى ثم الثانوى، كما ألغت نظام السخرة الذى كان مطبقاً منذ عهد الخديو إسماعيل، الذى كان الحاكم بموجبه يجبر الأفراد على العمل، فقامت وزارة الوفد 1924 بإلغائه. واستمرت خلال وزارات الوفد التالية فى تنفيذ مبادئها، وهى الاستقلال والديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية عن طريق تشريعات نوضحها فى حينه. بعد استقالة وزارة الوفد كان هناك احتقان سياسى هائل سببه أن مصطفى كمال أتاتورك ألغى الخلافة العثمانية 1924، وهى كما هو معروف صيغة حكم لا علاقة لها بالدين، فانتهز المنافقون الفرصة وراحوا يغرون الملك فؤاد بالعمل على أن يكون خليفة المسلمين الجديد باعتباره ملك أكبر دولة عربية أغلبيتها مسلمة، فهب آباء التنوير وأنصار الدولة المدنيون للدفاع عنها. وكانت معركة سياسية ضخمة داخل المعركة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى، وهو ما سنوضحه فى المقال القادم.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد