نظرة تأمل
مصر الدولة التى كانت فى الخمسينات والستينات سندًا لحركات التحرر الإفريقى، واعتبرت مصر «عبدالناصر» حجر عثرة أمام الأطماع الإسرائيلية فى القارة السمراء، ولا يمكن أن ننسى أن صوت مصر وصل آنذاك إلى كل الدول الإفريقية من خلال الإذاعات الموجهة باللغات السواحلية والأمهرية والإنجليزية والفرنسية إلى كل إفريقيا.
وكان أمرًا طبيعيًا أن تستقبل القاهرة بكل الترحاب بيتريس لومومبا وجومو كينياتا ونكروما وأحمد سيكوتورى وهيلا سيلاسى، حيث قامت السياسة الخارجية المصرية على تفعيل الاهتمام بالبعد الإفريقى، ليس هذا فقط، بل احتوت مصر الإعلاميين والصحفيين الأفارقة، وتم إنشاء معهد لتدريب الكوادر الإذاعية والتليفزيونية والصحفية من كل دول إفريقيا الناطقة بالفرنسية والإنجليزية والعربية، ومازال موجودًا فى مبنى ماسبيرو حتى الآن، ويعمل رغم كل الظروف بشكل عملى ومهنى، لكن مصر مبارك لم تحافظ على العلاقات الوثيقة مع الدول الإفريقية من باب المصالح الاستراتيجية، ومن ثم وجدت إسرائيل وغيرها فى إفريقيا أرضًا بكرًا لم تستغل بعد، ويعتبر سد النهضة الإثيوبى مثالًا واضحًا على التعاون غير العربى مع إفريقيا، ولم نستيقظ لمواجهة هذا الخطر إلا مؤخرًا بعد ثورة الثلاثين من يونيه عام 2013، فقد استطاعت السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن تعيد النظر مع العلاقات الإفريقية من منظور فهم واقعى واهتمام بالمصالح الوطنية العليا.
لكن للأسف أخشى أن يكون هذا الاستيقاظ العربى قد جاء متأخرًا وبعد فوات الأوان حيث مازال التحدى فى إفريقيا قائمًا بدليل اكتمل سد النهضة دون أن يطمئن المصريون على مستقبلهم المائى، وفيما نجد إسرائيل تخترق فضاء إفريقيا بمنطق شيمون بيريز نفسه عندما تحدث عما أسماه الشرق الأوسط الجديد اعتمادًا على الخبرات الإسرائيلية فى مجال التنمية الاقتصادية للدول الأقل تقدمًا فى المنطقة، ولهذا نجد نتنياهو يذهب إلى عنتيبى فى أوغندا ليبشر بالرفاهية الاقتصادية فى دول كم هى فى حاجة إلى التطور والتنمية، ومن بينها دولة جنوب السودان التى فضلت الانفصال عن الانتماء العربى فى إطار السودان الموحد، واندفعت بكل قوتها إلى أحضان الدولة العبرية، وفى اعتقادى أن هذا التحدى يفرض على صانع القرار العربى رسم سياسة مخالفة لما كان يتم فى إفريقيا، سياسة قائمة على الاحتواء وطمأنة الجانب الإفريقى، وإثبات أن التعاون العربى الإفريقى هو الأبقى والأضمن بدلًا من الالتفاف الإسرائيلى على القارة الإفريقية، ومن ثم يجب أن نتعامل بواقعية مع سد النهضة الإثيوبى ببحث إمكانية الإفادة والاستفادة منه بما يحافظ على حصص دول حوض نهر النيل من المياه، ولابد أن يتعاون العرب مع الأفارقة فى مجال مكافحة الإرهاب، وليس مقبولًا أن مواجهة الإرهاب تتم من خلال التعاون الإفريقى الإسرائيلى!
واقترح عقد مؤتمر عربى إفريقى مشترك بين جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى يرسى لقواعد جديدة فى العلاقات العربية الإفريقية خاصة فى المجالات الاقتصادية، وفتح أسواق فى إفريقيا للمستثمرين العرب من القطاع الخاص وتفعيل صناديق التعاون الإفريقية هذا إذا أردنا مواجهة التحدى والاستيقاظ من حالة الغيبوبة التى عاشتها العلاقات العربية الإفريقية لنحو 30 عامًا!!