نظرة تأمل
لا جدال فى أن منظومة الثانوية العامة تحتاج إلى إعادة نظر، وما حدث هذا العام من تسريب لبعض الامتحانات كان القشة التى قصمت ظهر البعير، الأمر الذى يتطلب تدخلًا حاسمًا وحازمًا من الحكومة ليس لتغيير الأشخاص المسئولين عما حدث فقط، إنما لتغيير السياسات أيضًا فنحن مهما غيرنا من أشخاص فى ظل سياسات عقيمة لا ننتظر أى تغيير.
إن الموضوع جد خطير لأنه يتصل بأجيال بعد سنوات سيدخلون معترك الحياة، ومن المفترض أنهم يجب أن يكونوا مسلحين بالعلم والأخلاق، ولا أتصور أن من سيتحمل مسئولية هذا البلد فى المستقبل أو فى أى مجال من مجالات العمل والإنتاج يمكن أن يكون قد حصل على الثانوية العامة بالغش بصورة أو بأخرى، وما بنى على باطل فهو باطل، وهذا هو منطق الأشياء، ولا شك فى أننا نحتاج قبل بداية العام الدراسى الجديد إلى اتخاذ خطوات تنقذ أبناءنا طلبة وطالبات الثانوية العامة حتى لا تتكرر المأساة، وقد قرأت تصريحًا للسيد رئيس الوزراء وعد فيه بعدم تكرار ما حدث، لكن لم أسمع عن إجراءات تنفيذية اتخذت لتطوير نظام الثانوية العامة من حيث المناهج التى تعتمد على الحشو، وتقنين ظاهرة الدروس الخصوصية التى فرضت نفسها على المجتمع المصرى رغم عدم مشروعيتها، وقبل كل هذا نتساءل متى تعود هيبة المدرسة كمحراب للعلم والأخلاق والوطنية، متى نهتم بالمدرس؟ حتى لا يلجأ لما يسمى بمراكز الدروس الخصوصية، لأن بعض المدرسين خاصة فى المدارس الخاصة لا يتعدى راتبهم الألف جنيه وربما أقل.
أتصور أن القضية ليست شهادة أو تسريب امتحانات، القضية أكبر من هذا وأخطر، وتتعلق بمستقبل أمة ونحمل الجميع دون استثناء مسئولية أى عبث فى هذا المستقبل، وعليه يجب مواجهة الموقف بصراحة، ونبحث عن حلول جذرية لموضوع الثانوية العامة، وليس مجرد البحث عن مسكنات وقتية حتى يهدأ الطلاب وأولياء أمورهم، وإذا كنت أكتب اليوم كولى أمر ابنه فى الثانوية العامة فإن كثيرًا من المخاوف تنتابنى على مستقبل ابنى وغيره من أبناء جيل كامل ليس له ذنب سوى أنه لم يتعلم فى المدرسة أن التربية قبل التعليم، أما أبناؤنا من طلاب الثانوية العامة هذا العام، فلا أرى أى ضرورة لإعادة الامتحانات التى سربت، وهناك اقتراح وصلنى من صديقى الإذاعى المحترم د. جمال حماد أعرضه كما جاء لى لعل السيد رئيس الوزراء يأخذه فى اعتباره.
الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى من فضلك أن تجرى امتحان القبول لكل الناجحين الملتحقين بالجامعات هذا العام لكى تتأكد من صحة نجاحهم وأحقيتهم فى الانتساب إلى الجامعة، وفى التخصص العلمى الصحيح.. سوف تكون هذه الامتحانات علاجًا ناجعًا لمن تسربت إليه امتحانات الثانوية العامة هذا العام... إن العلاج مؤلم ولكنه مطلوب.. فكيف ينتسب منتهزو الفرص والغشاشون إلى مكان علمى محترم يستحقه إنسان موهوب سيخدم بلده طبيبًا أو مهندسًا أو إعلاميًا أو مترجمًا أو معلمًا أو زراعيًا أو محاسبًا أو محاميًا.. وكلها مراتب متميزة ووظائف شريفة يحتاجها بلدنا... الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى إن بلدنا يحتاج إلى الشرفاء والموهوبين. انتهى اقتراح أخى جمال حماد، وأرى أنه فكرة جيدة لإلغاء نظام تنسيق القبول بالجامعات والاعتماد على اختبار القدرات الحقيقية للطالب.