نظرة تأمل
مازال المشهد الإعلامي يشهد حالة من الفوضى التي أصبحت تضر ليس فقط بالعقل الجمعي المصري ولكن أيضاً بالأمن القومي وبصورة مصر في ذهنية الآخر لأنه عندما يصبح دور الإعلام معول هدم ولا يتعامل إلا من منظور سوداوي ضارباً عرض الحائط بكل المعايير الأخلاقية والمهنية لابد هنا من وقفة حاسمة ليس فقط من الدولة ولكن من كل الجماعة الإعلامية.
وأهم خطايا الفوضى مسئولية الهواء ووظيفة مقدم البرامج أو المذيع فقد شهدت على أحد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمذيعة للأسف الشديد تعمل في إحدى قنوات تليفزيون الدولة «قناة القاهرة» وتخلط بين وظيفتها محاورة أو مقدمة برامج وبين وظيفة أخرى هي الناشط السياسي التي أصبحت إحدى سمات إعلام مصر الوطني سواء كان عاماً أو خاصاً من منطلق مظلة الحرية الإعلامية وحرية التعبير.
هذه المذيعة هاجمت بشكل متعمد الرئيس عبدالفتاح السيسي ووصفته بصفات يضعها تحت طائلة القانون وليس فقط المحاسبة المهنية والإدارية لأنها استخدمت خطاباً مرسلاً لا يستند إلي معلومات موثقة وكان معها –على الهواء– ضيف لم يستطع ردها ولم تترك له فرصة لكي يقول جملة مفيدة. وأتصور أن هذه المذيعة يجب أن ترسل إلي دورة في مركز تدريب متخصص لكي تتعلم من جديد قواعد الحوار التليفزيوني وهي في عجالة شديدة التوازن في عرض الموضوع والدقة في سرد المعلومات ومراعاة المصلحة العامة وأن يكون محامي الغائب إذا غاب الرأي الآخر ويتعلم المذيع أن يكون وسيطاً وليس طرفاً في الحوار ويستخدم مصطلحات واضحة غير قابلة للتأويل، وأتساءل أليس للبرنامج سكريبت أو نص يقوم بإعداده وكتابته معد متخصص ويلتزم به مقدم البرنامج فاذا كان هذا من عنديات المذيعة فإنه خطأ مطلوب أن تحاسب عليه مهنياً وإداريا، أما إذا كان هذا موجوداً في نص مكتوب معد سلفاً فإننا أمام كارثة يا سادة فالكلمة كالرصاصة إذا أطلقت لا تعود.
ومن خطايا إعلام الفوضى عندما يتجاوز مذيع في قناة فضائية غير مصرية في حق التليفزيون المصري وعندما تنتهك مذيعة (من الدخلاء على المهنة) خصوصيات الآخرين، نحن أمام مشهد إعلامي في حالة يرثى لها بسبب غياب ما نسميه القيم التحريرية عن أداء كثير من القنوات الفضائية وأهمها من وجهة نظري قيمتان هما المحاسبة والمصلحة العامة حيث يعتقد كثيرون أن القيمتين يخضع لهما فقط إعلام الدولة الذي يسميه خطأ البعض الإعلام الحكومي وهناك فرق كبير بين الدولة والحكومة لأن دولة المؤسسات باقية أما الحكومات فلن تستمر مهما طال وجودها في السلطة فلابد أن يأتي يوم قريب أو بعيد كي ترحل من هنا لا يوجد إعلام حكومي إنما هو إعلام دولة، أما الإعلام الخاص المملوك للأفراد أو الشركات غير الحكومية والإعلام الوافد من خارج الحدود أتصور أنه أيضاً يتحمل مسئولية هذا المشهد ويجب أن يتمسك القائمون عليه بالقيمتين المشار إليهما حتى يحافظوا على رقي ما يقدمون، ومن خلال ما نراه يمكن القول إن حالة التردي هذه هي حالة مرضية سببها سيطرة الوكالات الإعلانية على المحتوى البرامجي لكثير من القنوات الفضائية، وبما أن الإعلانات هي المصدر الرئيسي لدخل هذه القنوات فإنها يمكن أن تغض الطرف عن كثير من البرامج التي تخدش الحياء أو تشكك في قيم المجتمع وموروثه الفكري إلي حد ازدراء الأديان، وهناك برامج يتعامل المذيع فيها مع المتلقي كما لو كان تلميذاً بليداً ويظل بعضهم يتحدث للمتلقي بالساعات في ظاهرة غريبة لا توجد إلا في الإعلام المصري فقط وهناك من يسوق أفكاره من منطلق «الحق الذي يراد به باطل» وينتهك خصوصيات الآخرين، وهناك من يستخدم الصوت العالي إلي حد الصراخ في الاتصال مع المتلقين ناهيك عن الأصوات النشاز التي لا تخضع لاختبارات الإلقاء.