عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

القرار الأخير لوزير التعليم العالي، الخاص بتضمين "كليتي القمة" في الثانوية العامة "الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية" داخل التوزيع الجغرافي؛ رغم نفيه في أقل من 24 ساعة؛ فجَّر قضية في منتهى الخطورة، وهي "تكريس احتكار العاصمة"!

القرار كاد أن يُحدث أزمة مجتمعية بعد أن أثار غضبًا لا حدود له، وأحدث دويًا هائلًا في كافة الأوساط، لأنه يمثل كارثة من العيار الثقيل، ما يعني أن دخول هاتين الكليتين سيكون محصورًا على طلاب القاهرة الكبرى ومحافظات القناة وسيناء، وحرمان باقي المحافظات من دخولهما!

اللغط الكبير والجدل الواسع الذي أحدثه الإعلان عن القرار ونفي الوزير، كافٍ لتدمير مستقبل طلبة الأقاليم المتفوقين، خصوصًا بالقسم الأدبي، والذين ستتبخر أحلامهم "الوردية"، في التعيين بعد التخرج في وظائف مرموقة تنتظرهم من دون وساطات أو محسوبيات!

لا نعلم لماذا أثير هذا القرار بتلك السرعة، وكيف تم التراجع عنه ونفيه في أقل من 24 ساعة؟!.. رغم أنه لا مبرر له، سواء من خلال توقيته أو مبرراته الواهية، التي لا تستند إلى أي منطق، اللهم إلا زيادة تكريس الطبقية والتمييز بين أبناء الوطن.

إن هذا القرار غير المدروس، لن تتوافر له أدنى مقومات النجاح، لأنه يهدد مستقبل طلاب الأقاليم، لعدم جاهزية تلك الأقسام، في تقديم برامج تعليمية متكاملة مناظرة لما يُقدم لطلاب الكليتين بجامعة القاهرة، ولن تفلح معه استعاضة "الأعلى للجامعات"، بتحويل أقسام بكليات الآداب والتجارة إلى كليات للإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية.

باعتقادنا؛ لم يكن هناك داعٍ لإثارة مثل تلك التصريحات أو اتخاذ هكذا قرارات، لأنها تمثل كارثة حقيقية، حتى وإن تم تخصيص كلية "الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية" ببني سويف لطلاب الصعيد، وكلية "الاقتصاد والعلوم السياسية" في الإسكندرية، لبعض محافظات الدلتا، لأن الفارق كبير في التجهيزات، ما يمثل تمييزًا عنصريًا لطلاب الأقاليم.

القرار لو تم تطبيقه على أرض الواقع، سينعكس سلبًا على الطلاب خلال المرحلة المقبلة، والتي ستشهد موجة هجرة داخلية "عشوائية" إلى محافظتي القاهرة والجيزة، بشكل سنوي؛ لمدة عام على الأقل؛ لكي يتمكن الطلاب من الحصول على الثانوية العامة من مدارس "العاصمة"، وتجاوز العقبات غير المنطقية للقرار المتخبط والعشوائي.

المؤسف أن هذا "القرار" لاقى ترحيبًا من بعض الخبراء، وعلى رأسهم عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، التي أشادت بالقرار الذي "يخفف من الضغط على جامعة القاهرة، لأن طلاب الصعيد والوجه البحري يأتون ولا يعودون إلى قُراهم مرة أخرى"!!

إن القضية ليست في القرار أو تداعياته، لكنها في زيادة تكريس احتكار "العاصمة" وسيطرة غلبة المركزية وغياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي، والنظر إلى المقيمين خارج "القاهرة الكبرى باعتبارهم في مرتبة أدنى!

لا نريد أن تسود سياسة الصفوة والحرافيش، خصوصًا في ظل وجود عاصمة؛ مترهلة ومكتظة؛ تستحوذ على كل شيء، من مقار مركزية للوزارات والهيئات والمؤسسات والأحزاب والنقابات، أضف إلى ذلك المراكز الثقافية ووسائل الإعلام وغيرها.. فهل نما إلى علم "المسؤولين" أن غالبية مَن شكلوا وجدان الشعب وحكموا ولا يزالون على رأس السلطة التنفيذية هم من الأقاليم؟

القرار؛ حتى لو كان بالونة اختبار؛ فإنه بالتأكيد يعكس خللًا وقصورًا واضحًا لواضعي السياسة التعليمية، الذين لم يقرأوا التاريخ، ولم يعرفوا أن غالبية عباقرة مصر ومبدعيها من مثقفين ومفكرين وأدباء وسياسيين ورؤساء وزعماء ووزراء وسفراء، جاءوا من أقاصي أقاليم مصر، وأن الرموز التي تفتخر بها مصر طوال تاريخها، كانت دائمًا من الأقاليم، خصوصًا وأن 60% من الشعب يعيش في القرى والنجوع!!!

إننا نتساءل بصدق، إلى متى سيظل "البعيدون" عن العاصمة، مهمشون في الخدمات، ويتواجدون على الدوام في بؤرة النسيان، واعتبارهم خارج نطاق الخدمة؟، رغم أن الدساتير، بدءًا من 1923، وانتهاء بدستور 2014، أكدت جميعها مبدأ المساواة وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي!