رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الاكتفاء الذاتي من القمح.. حلم عرقله البيزنس

بوابة الوفد الإلكترونية

 

جاء على مصر حين من الدهر، كان قمحها يطعم العالم ويسقى شعيرها المختمر نبلاءه، حتى وإن صادفها الجوع أحياناً كانت تعود إلى موقعها سريعًا، فقد وصفها النص القرآنى بخزائن الأرض فى عهد النبى يوسف، حيث كانت سلة غذاء المنطقة كلها وسبب إنقاذ سكانها من المجاعة طوال 7 سنين عجاف.

على جدران المعابد الفرعونية تُوثيق كامل لعمليات زراعة القمح بكافة تفاصيلها، منذ نثر البذور وحتى الاحتفال بموسم الحصاد، الذى كان بحسب ما يرويه التاريخ فى سجلاته، يطعم ويسقى الامبراطورية الرومانية خلال فترة الاحتلال التى طالت ما يزيد على 600 عام، وقبلها كانت سفن الغلال تسير من ميناء الإسكندرية إلى مدن اليونان القديم، وتذكر الكتب نفسها أن موقع مصر وكونها «سلة غذاء العالم» كانا سببين كافيين لجعلها مطمعًا للغزاة على مر العصور.

ويذكر التاريخ أيضاً أنه فى عام الرمادة فى عصر الخليفة عمر بن الخطاب عندما حدث جفاف فى الجزيرة العربية، أرسل عمرو بن العاص، حاكم مصر، قافلة غذائية أطعمت الجزيرة العربية وكفتها مؤونة المجاعة، واستمر هذا الوضع حتى منتصف القرن العشرين.

لكن.. ثمة أمر ما جعل مصر تتراجع عن صدارة العالم فى إنتاج القمح، حتى صارت من كبريات الدول المستوردة للقمح!

تحول مصر من تصدير القمح إلى استيراده بدأ عام 1951 عندما استوردت مصر القمح لتغطية احتياجات القوات البريطانية على أرضها، وفى عام 1952 بدأ الاستيراد للاستهلاك المحلى، عندما اتجهت الحكومة لتعميم استخدامه بدلًا من الذرة فى صناعة الخبز، ومع ارتفاع عدد السكان فى مصر عام 1960 إلى 27 مليون نسمة زاد الاستيراد، ليصل إلى 996 ألف طن، وظلت كميات القمح المستوردة فى مصر تتزايد عبر السنين مع زيادة عدد السكان، حتى بلغت حاليًا نحو 12 مليون طن من القمح سنويًا، بما نسبته 10.6 فى المئة من إجمالى صادرات القمح العالمية.

تستهلك مصر من هذا المحصول كل عام قرابة 18 مليون طن، 9 ملايين منهم مخصصة للخبز المدعم الذى ينتج منه يوميًا قرابة 270 مليون رغيف لسد احتياجات 70 مليون مواطن مسجلين ببطاقات التموين.

وتقول يلينا تيورينا مديرة قسم التحليلات باتحاد الحبوب الروسى أن حجم صادرات القمح تضاعف إلى 963 ألف طن مقابل 480 ألف طن فى الفترة من 1 إلى 8 يناير 2023، مقارنة بنفس الفترة من عام 2022، كما زادت صادرات الذرة بنسبة 27٪ لتصل إلى 44.5 ألف طن، مؤكدة أن مصر هى الدولة صاحبة الريادة فى استيراد القمح الروسى خلال شهر يناير حيث تم شحن 191.5 ألف طن إلى مصر مقابل 103 ألف طن قبل عام.

وفى نوفمبر 2022 صرح الدكتور إبراهيم عشماوى مساعد أول وزير التموين ورئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية بأن مصر أكبر مستورد للقمح حول العالم، ووصل الاستهلاك لـ25 مليون طن، وننتج محليًا ما يقرب من 12 مليون طن، مشيرًا إلى أن مستوى استهلاك المواطن من الدقيق يقدر بـ182 كيلو فى العام، وهذا يعنى أن حجم الاستهلاك فى مصر 3 أضعاف الاستهلاك العالمى،، لأنه يستخدم فى الوجبات الثلاث الإفطار والغداء والعشاء.

وأكد «عشماوى» فى تصريحاته أن مصر لديها مخزون من قمح يكفى 5 ، واللحوم يصل لـ12 شهرًا، والسكر 4 أشهر، مشيرًا إلى أن الاقتصاد المصرى طبقًا للدستور حر، ولكن فى وقت الأزمات الاقتصادية العالمية، قد تدخل الدولة لضبط السوق، لافتًا إلى أن هناك دولًا كبرى مثل بريطانيا تعرضت لأزمات اقتصادية لأن هذه الدول ليس لديها ثقافة التخزين، وتعتمد على سلاسل الإمداد التى تعمل بكفاءة، وبعد حدوث أزمة فى هذه السلاسل تعرضت هذه الدول لأزمة.

وفى النصف الأول من مارس 2023 قررت مصر الانسحاب من اتفاقية تجارة الحبوب الأممية، التى وقعت عليها ضمن 35 دولة فى عام 1995، من ضمنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.

وتركز اتفاقية تجارة الحبوب الأممية على توفير مجال آمن لتجارة الحبوب فى العالم، والاعتماد على الشفافية بين الدول المصدرة والمستوردة لضمان استقرار السوق.

وأخطرت مصر الأمين العام للأمم المتحدة، فى فبراير الماضى، نيتها الانسحاب من الاتفاقية اعتبارًا من نهاية يونيو القادم.

وأكدت الخارجية المصرية أن القرار اتخذ بعد تقييم مشترك قامت به وزارتا الخارجية والتموين، خلص إلى أن عضوية مصر فى هذه الاتفاقية «لا تنطوى على قيمة مضافة».

يقول الدكتور على الإدريسى أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحرى إن حجم ما تستورده مصر سنويًا من القمح يقرب من 24 مليون طنًا، مشيرًا إلى أن مصر تُعد من أكبر الدول مستورة للقمح على مستوى العالم، قائلًا: «للأسف الشديد وضع صعب أن تتحول دولة زراعية إلى واحدة من أكبر الدول المستوردة للقمح.

وأكد «الإدريسى» فى حديثه لـ«الوفد» أن الحكومة المصرية بذلت جهودًا كبيرة فى الفترة الأخيرة لزيادة المساحة المزروعة من القمح والتوسع فى بناء الصوامع والتطور التكنولوجى، لكن رغم ذلك تظل هناك فجوة بين ما تتم زراعته من القمح وبين احتياجات السوق، هذه الفجوة تُقدر بما يتم استيراده من 24 مليون طن قمح تقريبًا التى تتغير من عام لآخر على حسب ما يتم حصاده محليًا وحجم الطلب فى السوق وكذلك معدلات النمو السكانى والتغيرات التى تطرأ على عملية الطلب والعرض.

وأشار «الإدريسى» إلى أن السبب فى استيراد القمح يعود لسنوات طويلة، حيث كانت الحكومات ترى أن تكلفة استيراد القمح من الخارج أقل

من تكلفة إنتاجه محليًا، وهذا كان صحيحًا فى الكثير من الفترات، لكن كان لابد من تقديم المزيد من الحوافز والعمل على زيادة المساحات المزروعة من القمح الذى يمثل أمنًا غذائيًا وقوميًا لمصر، وللأسف الشديد كانت العديد من الحكومات تعتمد على الاستيراد، حيث كانت الأسعار فى الكثير من الأحيان غير عادلة، مما أدى إلى العزوف عن زراعة القمح وتم استبداله بزراعات أخرى وبالأخص زراعات الفواكه وغيرها التى تحقق لهم جدوى اقتصادية أفضل من زراعة القمح.

وأكد أن هذا الأمر كان وراء عدم الاكتفاء الذاتى من القمح، بالإضافة إلى وجود فساد، حيث هناك من يستفيد من استيراد مصر للقمح.. وقال «يُحسب للدولة أنها خلال الآونة الأخيرة بدأت تتحرك لتقليل حجم الفجوة بين ما تتم زراعته محليًا وما يتم استيراده لتقليل فاتورة الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح، مطالبًا بمزيد من التحفيزات لزيادة المساحات المزروعة من القمح.

ويقول الدكتور السيد خضر البحث الاقتصادى إن القمح تعتبر من السلع الاستراتيجية الأساسية التى يعتمد عليها المواطن المصرى فى الغذاء.

وأشار خضر فى حديثه لـالوفد إلى أن روسيا وأوكرانيا من أهم دول العالم فى إنتاج القمح وقد ألقت تداعيات الأزمة بينهما بظلالها على ملف القمح، كما أثرت على الأوضاع الاقتصادية الدولية وخلقت حالة من عدم الانضباط فى الأسواق العالمية، بالتزامن مع استمرار ارتفاع معدل التضخم المخيف على أداء الاقتصاديات ومدى تأثير تلك الصدمات على الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وكذلك استمرار ارتفاع معدلات الأسعار.

وأوضح الخبير الاقتصادى أن هذه الأزمة وما تبعها من ارتفاع فى الأسعار، نتيجة تناقص المعروض، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن، وهو ما كان له أثر كبير على الدول المستوردة ومنها مصر التى تستورد نسبة كبيرة من القمح لتغطية احتياجاتها الداخلية، وانعكست هذه الأزمة على المواطن المصرى متمثلة فى ارتفاع أسعار الخبز غير المدعم فى الأسواق، حيث تهتم الحكومة المصرية فى المقام الأول بالحفاظ على رغيف الخبز المدعم من خلال توفير مخزون استراتيجى من القمح سواء المحلى أو المستورد.

وأكد خضر أن القمح يمثل لمصر قيمة ، حيث إنها تدخل فى العديد من الصناعات الغذائية وتعتبر سلعة أساسية فى عملية التجارة الدولية، لذلك تبذل الدولة المصرية حاليًا جهودًا كبيرة لزيادة المساحات والأراضى الصحراوية والاستثمارات الضخمة فيها فى العديد من القطاعات من أجل خلق التوازن وحياة كريمة للمواطنين وتدفع بالاقتصاد إلى مزيد من النمو والاستمرار فى خطة المشروعات القومية التى تقوم بعدة أدوار استراتيجية، فهى تعمل على تحسين الفرص الاقتصادية والاجتماعية فى المستقبل والسعى إلى توفير السلع الاستراتيجية والغذائية.

ونوّه بأن الفترة القادمة تحتاج إلى التسويق الزراعى الجيد وزيادة المساحات المزروعة خاصة من القمح، حيث إن النظام المرن الذى يهدف إلى تسهيل تدفق السلع الزراعية والخدمات المرتبطة بها من المنتجين إلى المستهلكين، ويمثل حلقة مهمة لتحقيق الآثار الإيجابية المرجوة من السياسات الزراعية، لذلك فإن الاهتمام بالتسويق الزراعى بشكل عام وتسويق محصول القمح يحتل أهمية غذائية واقتصادية فى جميع دول العالم، والسعى الدائم إلى إزالة المعوقات التى تواجه تسويق القمح المصرى منها قصور أنظمة التوزيع، ويرجع ذلك للعوائق الإدارية أو الفنية أو التشريعية أو المالية والاتجاه إلى الدعم المتواصل للفلاح المصرى خلال الفترة المستقبلية لزيادة القدرات الإنتاجية من القمح وتوسيع القاعدة الزراعية والترويج الجيد لتلك الموارد من أجل تدفق الاستثمارات الزراعية سواء على المستوى الداخلى أو الاتجاه إلى الاستثمارات الخارجية خاصة فى أفريقيا حتى تسهم فى تحقيق التوازن والاكتفاء الذاتى من القمح لتغطية احتياجاتها الداخلية.