رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الوفد» مع المصريين العائدين والمحاصرين فى السودان

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

رصاصات الحرب تخترق جدران المنازل.. وعصابات الشوارع تمنع الناس من الخروج

تذاكر الأتوبيس ارتفعت من ألف جنيه إلى 17 ألفاً.. والسفر مخاطرة كبرى

 

أحلام كثيرة رسمها طلاب وعمال مصريون، تركوا بلادهم الآمنة المستقرة وسافروا إلى السودان بحثاً عن حلم التفوق الدراسى أو العمل فى ظروف أفضل، إلا أن طلقات الرصاص كانت فى انتظارهم.. وتبدلت معالم الأحلام لكوابيس يعيشونها جميعاً على أصوات طلقات تبادل النيران بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع.

الكثير من أبناء الجالية المصرية فى السودان يؤكدون أنهم يشاهدون الموت بأعينهم فى كل لحظة، سواء جوعًا مع إغلاق المحلات بشكل مستمر، أو مرضاً مع صعوبة الخروج من منازلهم للحصول على العلاج، بالإضافة إلى انتشار العصابات المسلحة فى الشوارع والتى تهدد حياة كل من يغادر منزله، وقد يلحقهم الموت أيضاً وهم بين جدران منازلهم المظلمة بسبب نيران الحرب التى لا تفرق بين مدنى وعسكرى، فطلقات الهاون التى يدوى صوتها فى كل مكان تهدد آلاف المنازل بالانهيار على رؤوس من فيها.

وتفاقم الأمر سوءاً بسبب فقدان التواصل مع السفارة المصرية وهو ما أكده المصريون المقيمون فى السودان، مشيرين إلى أن الأوضاع أصبحت فى غاية الصعوبة، وحينما يستنجد أحدهم بالسفارة يسمعون رسالة واحدة: «التزموا منازلكم»، لذلك وجد الكثيرون أنفسهم يبحثون عن وسيلة للعودة إلى مصر بطرقهم الخاصة، فى غياب الطرق الرسمية.

وحصلت «الوفد» على نص الرسائل المتبادلة بين المصريين والسفارة، كما تواصلنا معهم لرصد أحوالهم عن قرب وكيف يعيشون فى السودان فى ظل الحرب، أما من استطاعوا الهرب فقد كشفوا لنا عن المآسى التى تعرضوا لها.

عوض جبريل: ناس ماتت من الجوع ودفناهم

منذ 4 أشهر ماضية وصل عوض جبريل إلى السودان أملاً فى تحقيق أحلامه التى راودته طيلة سنواته الماضية، وسعى وراء تكوين ثروة مالية من نشاطه فى نجارة الموبيليا، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وتبدل الحلم إلى كابوس يحاصره ليلاً ونهارًا.

«عوض».. شاب ثلاثينى وطأت قدماه أرض السودان بالتحديد «أركويت» والتى تحتضن الكثير من الجالية المصرية بعضهم عمال وبعضهم طلاب يدرسون فى المدارس والجامعات السودانية.

كغيره من أبناء الجالية المصرية المُحترفين للمهن المختلفة يحاول أن يستثمر أوقات يومه ويسخر طاقاته فى تكوين مستقبل أبنائه حتى فوجئ بطلقات الرصاص تحاصره فى مكان عمله.

«كان يوم مشؤوم.. حسيت بالموت بيقرب منى وفضلت استغفر ربنا قبل ما أموت».. يتذكر الشاب سيناريو بداية أزمة الحرب القائمة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وقال طلقات الرصاص اخترقت جدران المنزل الذى أعمل به وأصابت بعض الأخشاب التى كنت أعدها لعمل حجرة نوم، وتابع: «النار كانت هتاكل جهد شهر كامل غير تكلفة شراء الخشب».

يصمت الشاب قليلاً ويعود قائلاً إنه ترك مصر وذهب إلى السودان لتكوين مستقبله، ولكنه حاليًا أصبح محاصرًا إما الموت جوعًا خاصة بعد نفاد الطعام من منزله وإغلاق المحلات طوال اليوم، أو الموت بالرصاص الحى الذى يدوى فوق رأسه ليلاً ونهارًا، وأكد عوض أن طلقات الرصاص فاجأته يوماً وهو نائم على سريره داخل غرفته، بينما طلقات الهاون تخترق الجدران وتمر بجوار السكان.

وبصوت حزين تسابقه الدموع قال عوض: إن جميع محلات السودان مغلقة خوفًا من النيران، ومن يستطع فتح المحل يستغل الموقف ويعلن رفع الأسعار بنسبة 900%، حتى وصلت قيمة المصروفات للفرد الواحد لأكثر من 10 آلاف جنيه مصرى نظير شراء المتطلبات الأساسية.

وأضاف قائلا: «فيه طلاب كتير توفوا جوعًا بعدما أفلسوا وعجزوا عن التواصل مع أسرهم فى مصر ودفناهم».. وتابع قائلاً: «سعر تذكرة السفر لمصر حاليًا 300 ألف جنيه وعاجز عن شرائها طبعاً.. بالتالى فأنا محتجز هنا.. لا أنا عارف أروح لعيالى ولا الحكومة المصرية عارفة توصل لنا».

حالة من الظلام الدامس يعيشها المصريون فى السودان بعد قطع التيار الكهربائى عن جميع المنازل، وقال «عوض» إنه كغيره من البؤساء المنسيين أبناء الجالية المصرية فى السودان يعيشون فى الظلام، انقطاع دائم للكهرباء والشموع هى الوسيلة الوحيدة للإضاءة، وغلق تام للمحلات نأكل بواقى الأطعمة المتواجدة فى الشقة، فضلاً عن غياب الخدمات مثل الصيدليات والمستشفيات وغيرها.

المهندس محمد: حياتنا على كف عفريت

الأمر نفسه لا يختلف كثيرًا عما سرده المهندس محمد محمد، والذى يعيش فى السودان منذ خمسة أشهر ويعمل فى إحدى الشركات الخاصة وقال إن أعمال السلب والنهب والتهجم على المنازل عرض مستمر وحياتهم على كف عفريت.

وأضاف أنه مع الظلام الدامس ليلاً نتعرض لمحاولات كسر لأبواب المنازل ونهب المخزون من المأكولات خاصة بعدما أصبحت غير متوافرة إلا بسعر خيالى فى محلات نادرة استطاع أصحابها التعايش مع النيران.

حروب أهلية وعصابات منتشرة فى كل مكان، وأفراد مسلحون بأسلحة نارية وبيضاء يجوبون الشوارع ويرهبون الأهالى لنهب الأموال والطعام، مشاهد يومية يعيشها المصريون فى السودان كل دقيقة، يصارعون الموت وفى الوقت ذاته يحاولون التواصل مع السفارة المصرية لكن دون جدوى على حد قولهم.

«كل لما تمشى بتلاقى جثث مرمية فى الشوارع مصريين على غيرهم محدش عارف ولا قادر يشيلهم».. يستكمل المهندس محمد سرد الصورة الواقعية من السودان وقال إن الأجواء لا تختلف كثيرًا عن يوم القيامة فكل فرد مسئول عن نفسه وأعماله.

صابر.. 18 ساعة متوفى والرائحة قادت أصدقاءه لمكانه

القصة الأكثر حزنًا لـ«صابر» طالب جامعى توفى فى منزله وظل قرابة 18 ساعة داخل مسكنه لا أحد يعلم عنه شيئاً حتى فاحت رائحة كريهة من المنزل وقتها علم الجميع بوفاته.

ظل المصريون المتواجدون بالقرب من مسكنه يبحثون عن سيارة تنقله للمطار ليتم نقل جثمانه إلى مصر ويدفن فى مدافن عائلته ولكنهم عجزوا، تواصلوا مع عائلته وأخبروهم بوفاته وعدم قدرتهم على نقله إلى مصر، فكان القرار الأصعب لعائلته وزميلته خلود التى أخبرتهم بوفاته وهو دفنه فى السودان ليكون شهيد العلم بعيدًا عن عائلته طوال حياته وبعد مماته.

الحلم أصبح كابوساً

محمود عاطف محمود طنطاوى، طالب فى الفرقة الرابعة بكلية طب الأسنان بجامعة النيل بالسودان، واحد من الشباب الذين حلموا بدراسة طب الأسنان، قطع أميالاً لتحقيق حلم والده ليكون طبيبًا، فتوجه إلى السودان الشقيق لتحقيق حلمه إلا أنه لم يتوقع أن يصل الحال إلى ما وصل إليه.

ذات يوم وحينما كان محمود عائداً من جامعته وقف على موقف الأتوبيس حائرًا قلقًا من طلقات الرصاص التى تحاصره فى كل مكان، وإذ بطلقة نارية تصيبه فى العمود الفقرى، مما أدى إلى إصابته بالشلل، وحالت ظروف الحرب دون عودته إلى مصر، ومعظم مستشفيات السودان خارج الخدمة، فلم يلق الرعاية الصحية الجيدة وبالتالى فمصيره بين يدى الله.

وضمن مسلسل مآسى الجالية المصرية فى السودان مأساة يعيشها المهندس عبدالمنعم

الذى وصل إلى الأراضى السودانية منذ ثلاثة أشهر وقال إنه منذ اندلاع الحرب بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع وهو يفكر فى العودة إلى مصر ولكنه لم يجد سبيلاً لذلك.

وقال: بصفة عامة الوضع صعب جداً بالنسبة للأكل والشرب، والكهرباء قاطعة على طول ومفيش بنزين وجاز ولا محلات والناس سابت العاصمة وراحو الأقاليم، ومن يعيش فى العاصمة الآن يعيشون على أصوات الصواريخ والمدفعية التى لا تنقطع، «ده غير الضرب بالطيران».

وتابع: «بدأت السرقة والنهب وخروج السجناء من السجون، وللأسف مش عارفين نطلع من الخرطوم، وعلشان نوصل لمناطق الأجلاء فيها مخاطرة كبيرة جداً والخروج على مسئوليتك الشخصية، وده كان تحذير وزارة الخارجية لينا باستمرار».

«اللى بيخرج بيتعرض للسرقة والنهب ومضايقات وتثبيت من العصابات».. يستكمل المهندس حديثه قائلاً: إن المصريين بالتحديد يتعرضون لمضايقات من قوات الدعم السريع، معتقدين أن المصريين جواسيس عليهم، وبسبب ده لا عارفين نخرج من بيوتنا ولا عارفين نعيش وبنشرب ميه غير صالحة للاستخدام الآدمي.

عبدالتواب: حرب شوارع.. ونفسنا نرجع مصر

عبدالتواب عزيز، ولى أمر لطالبة فى السنة الثانية بكلية الطب بالسودان، وشقيقها فى الصف الثالث الثانوى، وخوفاً على البناء حرص الأب على الإقامة معهما لتوفير وقت لهما للمذاكرة، ولكن اندلعت الحرب وتغيرت الأحوال وأصبح حلمهم جميعا العودة إلى مصر سالمين.

وقال عبدالتواب: «اللى بيحصل فى السودان حرب شوارع ومش عارفين هتخلص إزاى وإمتى» قالها «عبدالتواب» بحسرة شديدة على مستقبل أبنائه.

بصوت حزين يستكمل الأب المكلوم حديثه قائلاً: إنه كان يحلم بمستقبل باهر لأبنائه خاصة أنهم متفوقون دراسياً، ولكن تبدلت معالم الحياة وأصبح الموت يحاصرهم جميعاً فى كل لحظة

«خايف أموت أنا وعيالى ونعفن هنا».. قالها الأب، وسرد قصته قائلاً: معظم الاتصالات مقطوعة، والوضع غير آمن، وعشان نرجع مصر لازم تدفع أكثر من 400 دولار، والمعيشة هنا أصبحت صعبة للغاية، المخابز والمحلات مقفولة وبنجازف بحياتنا عشان نجيب عيش لأولانا.

وأضاف: للأسف لا يوجد تواصل بين الحكومة والطلاب.. المأساة تزداد مع انقطاع الاتصال بين الجالية المصرية والسفارة والاكتفاء فقط بالرسالة التحذيرية: «التزموا منازلكم».

البداية كانت صعبة جداً، فالحرب كانت على عربات يستقلها مسلحون، تسير وسط المبانى والمارة فى الشوارع، لذلك أصيب مدنيون كثيرون وكنا نشاهد سيارات فى الشوارع فيها ناس متوفون، ويستكمل «عبدالتواب» حديثه قائلاً: زاد الضرب من يوم وقفة العيد حتى الصباح وكنا نصلى صلاة الخوف وبنجمع فيها كل الصلوات من الخوف من الضرب بالصواريخ، وكنا نشاهد مضادات الطيران والصواريخ الموجهة بالليزر تطير فوق رؤوسنا.

العائدون من الموت يتحدثون

أحمد محمد السيد، أحد الطلاب الذين استطاعوا العودة إلى مصر وقال إنه يشعر وكأنه عائد من الموت.. وحريص على التواصل مع زملائه فى السودان.

وأضاف: الأوضاع زادت سوءًا بعدما هجم عدد من ضباط قوات التدخل السريع على منازل المصريين فى الخرطوم، بالإضافة إلى عمليات الضرب والنهب التى تحدث فى الشوارع، هذا وسط غياب تام من وزارة الخارجية والهجرة على حد قوله.

واستطرد: «فيه ولد اتوفى بغيبوبه سكر، والتانى اتصاب بشظايا طلق وتقريباً جاله شلل للجزء السفلى من جسمه».. يستكمل «أحمد» حديثه قائلا: «السفارة تتحرك ببطء، ويا ريت لو يتعاونوا مع المصريين ويلحقوا اللى لسه عايشين منهم».

أحمد حلمى، أمين مساعد اتحاد الطلاب المصرين بدولة السودان، قال إنه استطاع العودة من موت محقق، وسرد تفاصيل آخر أيامه فى السودان قائلاً: فى الأيام الأخيرة من شهر رمضان استيقظنا على اشتباكات وضرب نار بين الجيش السودانى والدعم السريع، وكل ذلك صاحبه انقطاع فى المياه والكهرباء ولا نعلم ما هو السبب وبعدها انقطع الإنترنت، وعند عودة الكهرباء وفتح أجهزة التليفزيون اكتشفنا وقوع اشتباكات بين قوات الدعم والجيش، وفى البداية كنا فاكرينها مظاهرات ولكننا فوجئنا أنها حرب حقيقية.

بعد توالى الأيام تناقصت المواد الأساسية مثل المياه والطعام، وأغلقت المحلات أبوابها.. ويستكمل «أحمد» حديثه: «للأسف معظم المصريين كانوا يتركزون فى مدينة الخرطوم بسبب الدراسة، ثم أخذنا أتوبيسات وبدأت تتحرك من الخرطوم إلى المعابر الحدودية، وكان ثمن التذكرة يتراوح بين 16 ألفاً حتى 20 ألف جنيه سودانى أى من 700 إلى 1000 جنيه مصرى، ولكن فى ليلة وضحاها ارتفع السعر إلى 270 ألف جنيه سودانى، أى 17 ألف جنيه مصرى، وهناك استغلال من السائقين للظروف، وهناك اشتباكات فى عدة شوارع كالمطار والخرطوم 2 والشرقى ومحيط عفراء مول والبحرى، والضرب لم يتوقف فيها لحظة.