عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأسواق فى مصر »مولد وصاحبه غايب«

بوابة الوفد الإلكترونية

انفلات الأسعار ظاهرة يومية فى مصر، فكل يوم يستيقظ المواطنون على ارتفاع جديد فى أسعار كافة السلع تقريبا، وأصبح التجار هم أصحاب اليد العليا فى تحديد الأسعار التى تلهب جيوب المصريين، الغريب أن هذا يحدث فى ظل وجود 13 جهة رقابية مهمتها مراقبة الأسواق وتحديد الأسعار، لذلك فمع كل ارتفاع فى الأسعار تتعالى الأصوات متسائلة عن دور هذه الجهات الرقابية فى ملاحقة المحتكرين والمتلاعبين بالأسواق، خاصة فى المواسم والأعياد التى تشهد إقبالا شديدا على السلع والمنتجات.

13 جهة

فى البداية كشف الدكتور حمدى عرفة أستاذ الإدارة المحلية عن استيائه من جشع التجار الذين يقومون برفع الأسعار وتخزين السلع بصفة عامة وفى المواسم مثل شهر رمضان بصفة خاصة، موضحًا أن هناك عدداً من الجهات المسئولة عن مراقبة الأسعار، وهى وزارة التموين والتجارة الداخلية، ووزارة المالية، ووزارة الصناعة، والإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة الداخلية، والهيئة القومية لسلامة الأغذية، والجمعيات الأهلية المعنية بحماية المستهلك، والاتحاد النوعى لحماية المستهلك، والاتحاد التعاونى الاستهلاكى، والاتحاد العام للغرف التجارية، والاتحاد التعاونى الاستهلاكى، والإدارات المحلية ممثلة فى المحافظات والأحياء كجهة تنسيقية، وجهاز حماية المستهلك.

ولفت «عرفة» إلى أن قانون حماية المستهلك رقم 181 لعام 2018م تنص المادة رقم 7 منه على أن يلتزم المورد بإعلان أسعار السلع أو الخدمات التى يعرضها أو يقدمها، بشكل واضح على أن يتضمن السعر ما يفرضه القانون من ضرائب أو أى فروض مالية أخرى، وذلك وفقا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية للقانون، أما المادة 8 فتحظر حبس المنتجات الاستراتيجية المعدة للبيع عن التداول بإخفائها، أو عدم طرحها للبيع، أو الامتناع عن بيعها، أو بأى صورة أخرى.

التسعيرة الجبرية هى الحل

فيما أكد أحمد متولى سعد، عضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة الأزهر، أن العالم يمر حاليًا بأزمة اقتصادية فادحة، ومن أبرز نتائجها ارتفاع معدلات التضخم التى أثرت على المستهلكين وأضعفت قدرتهم الشرائية، مما أثر سلبًا على الاقتصاد المصرى بارتفاع أسعار السلع المختلفة، حتى تجاوزت الأسعار حدود المسموح وسيطر عدد من التجار والمستوردين عليها، وقاموا بتحديد هامش الربح كما يحلو لهم رافعين شعار «السوق عرض وطلب»، وكان من نتائج هذا الجشع أن وجدنا فى الفترة الأخيرة أن أسعار نفس السلعة الواحدة تختلف من منطقة لأخرى ومن تاجر لآخر، بل لاحظنا وجود زيادة شبه يومية فى أسعار كافة السلع.

وأشار سعد إلى أن الأسواق تعانى من أزمة أخلاق وضمير، فنجد التاجر يتلاعب بأسعار السلع باحتكارها، ويقوم بتخزينها وإخفائها لرفع ثمنها والحصول على أكبر كسب منها، بل أن هناك عددا من التجار تواطأوا للتحكم فى سعر سلعة وبيعها للناس بثمن معين مما يحقق لهم الربح الفاحش وبأسعار فلكية تلتهم مدخرات الناس.

وأكد عضو هيئة التدريس أن خطورة الغلاء تكمن فى تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على قطاع عريض من المواطنين، فالغلاء قد يكون سببًا فى لجوء بعض الأسر إلى الهجرة، وزيادة نسبة اقتراضهم من البنوك، وسببًا فى ظهور مواد استهلاكية بديلة ذات جودة منخفضة وضارة بالصحة، بالإضافة إلى زيادة نسبة الأمراض النفسية والتوترات العصبية، والعزوف عن الزواج بسبب عدم القدرة على تحمل المصاريف والتكاليف، مما يزيد من العنوسة والانحرافات الأخلاقية، ومشكلات أخرى كثيرة لا حصر لها. 

واستكمل حديثه قائلا: إن مواجهة ظاهرة الغلاء وجشع التجار تتطلب إرساء قيم المشاركة بين كافة مؤسسات المجتمع «التعليمية والدينية والإعلامية والتنفيذية والقضائية»، مع التركيز على اتخاذ تدابير وقائية وعلاجية من أهمها: ضرورة وضع استراتيجية وقائية بعيدة المدى تتكيف حلولها مع المؤثرات الحالية وتكون ضمن أهدافنا الكبرى ومشروعاتها المستقبلية، بالإضافة إلى ضرورة تكثيف الجهود الحكومية لمراقبة الأسواق بشكل يومى لرصد جميع الأسعار المتداولة على السلع ونسبة التغيرات التى قد تحدث فيها، مع ضرورة أخذ الحكومة بنظام التسعير الجبرى، وسن التشريعات والقوانين للمساهمة فى تدعيم دور جهاز حماية المستهلك ومنح الضبطية القضائية التى تساعده فى ضبط التجار المخالفين وتقديمهم للعدالة فى حالات الاحتكار أو تخزين ومنع السلع، وقيام الحكومة بإجبار المحتكرين على إخراج السلعة المحتكرة المخزونة، وطرحها فى السوق لبيعها بالسعر التلقائى الحر الذى كان ساريًا قبل الاحتكار.

وأضاف: لابد من مواجهة جشع التجار بإجراءات فعلية وقوية بطرق مباشرة وغير مباشرة، لأن السوق الحر لا يعنى أن تتحول هذه الأسواق إلى فوضى يمارس من خلالها التجار ما يريدون، بل تعنى حماية الناس من جشع هؤلاء التجار، لذا يجب على الحكومة إيجاد البديل، وذلك من خلال قيام الشركات القابضة التابعة لوزارة التموين بتوفير السلع عبر منافذ الجمعيات والمعارض الاستهلاكية، والتوسع فى إنشاء منافذ البيع التابعة للقوات المسلحة، وكذلك السيارات المتنقلة التابعة لوزارة التموين لتكثيف المعروض من السلع بأسعار مخفضة، فضلًا عن ضرورة وجود جهاز إعلامى تنويرى قادر على محاربة الغلاء من خلال غرس القيم الإسلامية التى تحرِّم الجشع والمغالاة والاحتكار، وغرس روح الانتماء لدى أفراد المجتمع من خلال نقل الحقيقة دون مزايدة أو تضليل. 

قانون الطوارئ ليس الحل

وترى الدكتورة ندى صابر باحثة فى علوم إدارة المنزل واقتصاديات الأسرة، أن أكثر ما يشغل ذهن المواطن المصرى فى هذه الفترة هو ارتفاع الأسعار الذى يظهر فى المواسم والأعياد، وهذا ما يترك المجال فسيحًا أمام التجار الجشعين للمغالاة وكذا احتكار بعض أنواع السلع، وهو ما يدعو الرأى العام للتساؤل عن الجهات الرقابية ودورها فى كيفية ضبط الأسواق فى هذا التوقيت، لافتة إلى أن الجهات الرقابية هى المسئولة عن ضبط الأسواق والقضاء على التلاعب بأسعار السلع والمنتجات، ومنع احتكار السلع لتحقيق مكاسب خاصة، والتصدى لسوء تخزين السلع الغذائية الذى قد يودى بحياة المواطنين، وأخيرا مواجهة ومنع زيادة التعريفات المحددة للمواصلات العامة التى تضعها الحكومة.

وأشارت إلى وجود العديد من الجهات الرقابية بالإضافة إلى منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، ولكن مع زيادة اتساع رقعة الأسواق يصعب على هذه الجهات مراقبتها جميعا، وهنا يظهر دور المواطن المصرى كأهم داعم لهذه الجهات والقيام بدوره فى الإبلاغ الفورى عن أى تلاعب أو زيادة غير مبررة فى الأسعار من أحد التجار، وهناك أكثر من طريقة يمكن التواصل بها مع هذه الجهات عبر المواقع الإلكترونية، أو عن طريق الخط الساخن وغيرها، ليتم محاسبة التجار على جشعهم.

وأكدت الباحثة، أن الوضع الراهن لا يستدعى تطبيق قانون الطوارئ كما يرجح البعض لأن ارتفاع الأسعار ليس عملية ثابتة فهى متغيرة وترتبط بعوامل عديدة، ولأن الأمر يمكن أن يتم التغلب عليه والحد منه عن طريق اتباع إحدى الاستراتيچيات التالية، وهي: التصدى لجشع التجار ومحاسبتهم، وشراء السلع الغذائية من المنافذ والمعارض الحكومية بأسعارها الثابتة والموحدة التى تجنب المواطن استغلال التجار، وترشيد استهلاك السلع واستخدامها بما يفى بالاحتياجات اليومية دون إسراف، وشراء المنتجات والسلع الأساسية والحد من المنتجات الترفيهية.

عقاب رادع

وفى هذا الإطار، أكد علاء الناظر، أستاذ الإدارة العامة والمحلية، أن السبب فى ارتفاع الأسعار هو أن السوق فى الظروف العادية تحكمه آليات معينة

وهى العرض والطلب، فإذا كان العرض أكبر من الطلب فمن الطبيعى أن يلجأ التجار إلى جذب الزبائن بعمل عروض خاصة وبالتالى تنخفض الأسعار ليُقدم المستهلك على الشراء، ويحدث التوازن بين المعروض من المنتجات والطلب عليها وبالتالى يتحرك السوق، أما إذا كان الطلب أكبر من العرض نتيجة لقلة المعروض من المنتجات فيلجأ التجار إلى زيادة الأسعار، وقد يلجأ بعض التجار إلى تخزين السلع والمنتجات حتى يزيد الطلب عليها بشكل أكبر وبالتالى تكون ربحية التاجر أضعافا مضاعفة.

ولفت خبير الإدارة المحلية إلى أن الشائعات لها دور كبير فى التأثير على السوق مثل شائعة اختفاء سلعة أو ارتفاع سعرها، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الطلب على هذه السلعة، وهو ما يزيد من الأزمة ويؤدى إلى نقص واختفاء السلع من السوق، وأن احتكار بعض التجار والمستوردين لسلعة معينة يؤدى إلى السيطرة على هذه السلعة، وبالتالى تحديد هامش ربح مبالغ فيه، وعلى الرغم من وجود جهات وأجهزة رقابية لضبط حركة الأسواق والسيطرة على ارتفاع الأسعار وجشع التجار مثل حماية المستهلك والإدارة العامة لشرطة التموين، إلا أن هذا الدور ضعيف للغاية بسبب وجود نقص فى تغطية كافة المناطق والأسواق التى تنتشر وتتوسع باستمرار خاصة أن عدد المراقبين والمفتشين لا يكفى للقيام بالدور الرقابى بكفاءة وفاعلية، والرقابة على السوق فى حاجة إلى مزيد من الضوابط التى تضمن أن يكون هناك متابعة مستمرة وعقاب رادع فى حالة المخالفة، وذلك لأن الأجهزة الرقابية الفعالة هى العنصر الأساسى والرئيسى فى معادلة ضبط السوق والسيطرة عليه، خاصة ما يخص السلع الأساسية والاستراتيجية مثل الأغذية والمواد التموينية، والحكومة تحاول وتبذل جهدا كبيرا للسيطرة على الأسعار من خلال ملاحقة المحتكرين والمتلاعبين بالأسواق من خلال الأجهزة الرقابية، وخاصة فى المواسم والأعياد التى يحدث فيها إقبال شديد على السلع والمنتجات.

ووضع الخبير عدة حلول للخروج من هذه الأزمة، أولا زيادة الإنتاج حتى يمكن تغطية الاحتياجات الأساسية المتزايدة للمواطنين، ثانيا توفير السلع عبر منافذ الجمعيات الاستهلاكية ومنافذ البيع والسيارات المتنقلة التابعة لوزارة التموين، لتكثيف المعروض من المواد الغذائية بأسعار مخفضة، للقضاء على جشع التجار، ثالثا المواطن له دور كبير فى هذا الأمر من خلال ترشيد الاستهلاك وعدم التكالب على السلع وتخزينها، وضرورة الإبلاغ عن التجار المخالفين والمحتكرين، كما أن تنفيذ سياسة مقاطعة السلع مرتفعة الثمن يعد من أهم العوامل والأسباب التى تعمل على ردع التجار وتحقيق توازن السوق، وأخيرا ينبغى على الحكومة والأجهزة الرقابية تنفيذ رقابة صارمة على الأسواق من خلال جهاز حماية المستهلك ومباحث التموين وجميع الجهات المعنية بمنظومة الرقابة على الأسواق.

الأزمات العالمية

ومن الناحية الاقتصادية، أوضح لنا الباحث فى المجال الاقتصادى، السيد خضر الحاصل على الدكتوراه فى الاقتصاد الدولى، أن الأزمات والصراعات والتوترات العالمية انعكست على الأوضاع فى مصر، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم، مشيرا إلى أن هناك عدداً من التجار الذين أثروا من وراء هذه الصدمات، كونوا ثروات غير مشروعة، سواء على مستوى الدول أو الشركات أو الكيانات مستغلين تلك الأزمات فى صنع الثروات.

وأكد «خضر» أنه برغم ما حدث، إلا أن الدولة لجأت إلى اتخاذ العديد من الإجراءات لمواجهة ظاهرة ارتفاع الأسعار بشكل سريع، ولكن هذه الإجراءات لم تؤت ثمارها بسبب الارتفاع المستمر فى الأسعار، والناتج عن غياب الرقابة الحقيقية على أرض الواقع، وعدم وجود رقابة صارمة على التجار الجشعين الذين يسعون إلى استغلال الأزمات، والسعى الدائم لاحتكار وتخزين السلع الغذائية الاستراتيجية للتحكم فى الأسعار بالأسواق، والعمل على تعطيش الأسواق.

وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن هذا الوضع انعكس على أداء الأسواق من ناحية وعلى المواطن من ناحية أخرى حيث جعله فى مأزق شديد لتوفير الاحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى التفكير فى طريقة لتحقيق التوازن فى شراء السلع الاستراتيجية، لذا يجب فرض السيطرة الكاملة على الأسواق، ومحاربة استغلال التجار، فضلًا عن زيادة المبادرات الحكومية، بهدف تحسين نوعية حياة المواطنين وتوفير السلع الغذائية الاستراتيجية بأسعار مخفضة تناسب كافة المستويات، ونشر تلك المنافذ لتصل إلى كل أنحاء مصر والقرى المصرية لتخفيف الأعباء الإضافية عن كاهل المواطن لمواجهة ظاهرة ارتفاع الأسعار.

ويرى الباحث أنه لابد من قيام الحكومة بفتح المجال أمام المستوردين فى جميع القطاعات، حتى نشهد منافسة حقيقية بين التجار والمستوردين لتحقيق التوازن فى معدل الأسعار خلال الفترة المقبلة، وينصح خضر المواطنين بشراء الاحتياجات الأساسية الضرورية وتغيير ثقافة الاستهلاك والتخزين، ومحاولة تأجيل ما لا يلزم من نفقات الرفاهية غير الأساسية، لمواجهة موجة الغلاء الفاحش ومواجهة التجار المستغلين وصانعى الأزمات والاتجاه إلى استخدام سياسة التقشف.