الإعجاز بين الهمزة والهاء
من إيحاء الأصوات المفردة فى تعبير القرآن: إيحاء (الهمزة)، وإيحاء (الهاء) فى سياقيهما؛ إذ ورد كلٌّ منهما فى سياق مغاير ـ دلاليًّا ـ لسياق الآخر، وهذا يعود إلى تغاير صفة كل منهما من الناحية الصوتية، وإنْ كانَا من مخرجٍ واحد هو الحنجرة؛ إذ الهمزة صوت شديدٌ انفجارىٌّ، على حين عُدَّت الهاء من الأصوات الرِّخوة المهموسة الضعيفة.
فإذا تدبَّرْنَا الكتاب المعجز المبين ـ القرآن الكريم ـ وجدنا الهمزة فيه قد وردت فى سياق يوحى بالشدة والعنف، متمثِّلًا بهذا التركيب الفعلى المؤكد بالمصدر فى قوله عز وجل: ﴿ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤوزهم أزًا﴾ (مريم:83)
ووجدنا (الهاء) قد وردت فى سياق مغاير له، بل هو مضادٌّ له دلاليًّا من حيث الإيحاء؛ إذ وردت فى تصوير ما أُمِرَتْ به مريـم ابنـة عمران عليهـا السـلام: ﴿وهزى إليك﴾ (مريم:25)، حين أتاها الطَّلْق، فضاقت بذلك ذرعًا؛ إذ كيف يُولَدُ لها ولدٌ وهى لم تتزوج بَعْدُ؟ فكان النداء الذى سمعته مُطَمْئِنًا لها من ناحية، وآمرًا
فقال الله عز وجل: (هُزِّى) هنا، ولم يقل: (أُزِّى)، كما قال فى آية إرسال الشياطين على الكافرين: (تؤزُّهم)، ولم يقل: (تهزُّهم)؛ وذلك للفارق الدلالى بين السياقين: سياق الشدة والعنف، وسياق اللِّين والحنان، فى تَوَازٍ مع الفارق الصوتى بين الهمزة الشديدة المجهورة والهاء المهموسة، وهذا من رائع بيان القرآن ودلائل إعجازه.
وسبحان من هذا كلامه.