كيف تتغلب على القلق من المستقبل والخوف من المجهول
الإنسان بطبيعة خلقته عزيزي القارئ مخلوق ضعيف. وربنا سبحانه يقول لنا ذلك بصراحة: "وخُلق الإنسان ضعيفا".. ولك أن تتساءل معي لماذا خلق الله الإنسان وجعل الضعف مصاحبا له؟ والجواب: أن الإنسان إذا شعر بالاستغناء طغى وبغى في الأرض بغير الحق وتكبر وتجبّر وأهلك الحرث والنسل.. كيف لا وقد قال الله تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى". وبناء على ذلك فلابد لهذا الإنسان أن يتيقن تمام الإيقان أنه مخلوق ضعيف بغير الله.. وهو قوي بل هو كل شيء إذا كان في معية الله.. أضف إلى ذلك أن القلق أيضا مصاحب للإنسان بجانب الضعف في أصل خلقته.. وذلك من حكمة الله حتى يستقيم نظام الأكوان.. يقول ربنا سبحانه موضحا هذه الحقيقة: "إن الإنسان خُلِق هلوعا. إذا مسّه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا.. إلا المصلين". إلا أنه ينبغي عليك أيها القارئ الكريم أن تعلم أن هناك حدا أدنى للقلق والخوف من المجهول ينبغي ألا تنزل عنه وإلا أُصبت بالبرود القاتل.. كالذي لا يأبه لمستقبله وأولاده وبيته.. ويقضي وقته في النوم والسهر، واللعب والهزل.. ويترك زوجته تتحمل المسؤولية وحدها.. هذا إنسان قتله البرود.. فلم يعد يشعر بخوف أو قلق يدفعه إلى العمل والإنتاج. وهناك أيضا حدٌّ أعلى للقلق والخوف من المستقبل ينبغي ألا تتجاوزه لأن تجاوزه يعني أنك حتما ستصاب بالاكتئاب والإحباط والوسواس القهري الذي ينتهي بك في آخر المطاف إلى العجز.. ولك أن تعلم ياعزيزي أن معظم الأمراض النفسية مردُّها في الأساس إلى الخوف من المجهول والقلق من المستقبل، والتعامل مع عالم الغيب بفهمنا القاصر اعتمادا على بعض المعطيات الذهنية المشوّشة والمشوّهة بمعزل عن منهج الله وهديه. وإن القلق والخوف إذا سيطر على الإنسان أفقدَهُ السيطرة على ذاته فكرا وقرارا، وأصبح خائر القُوَى، ضعيف البنية، لا ينتج عملا ذا بال.. وصار عبئا على أسرته ومجتمعه.! ولا خلاص من ذلك إلا بالالتجاء إلى هدي الله والارتماء في أحضان معيّته. وذات مرة دخل رسول الله المسجد فوجد رجلا من الأنصار - اسمه "أبو أمامة" - مهموما ودمعته على خدّه من شدة الهم والقلق، فسأله عن حاله، فقال همومٌ لزِمَتني وديونٌ يا رسولَ اللهِ؟ قال أفلا أُعلمُك كلامًا إذا قلتَه أذهب اللهُ همَّك وقضَى عنك دينَك؟ قال قلت بلى قال قلْ إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ اللهمَّ إني أعوذُ بك من الهمِّ والحزَنِ وأعوذُ بك من العجزِ والكسلِ وأعوذُ بكَ من البخلِ والجبنِ وأعوذُ بك من غلبَةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ قال ففعلت ذلك فأذهب اللهُ عني همِّي وقضَى عني دينِي. وإليك عزيزي القارئ هذا العلاج النبوي الذي يقول فيه مولانا رسول الله: "ما أصاب أحَدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حَزَنٌ فقال اللهمَّ إنِّي عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمَتِك ناصيَتي بيدِك ماضٍ فيَّ حُكْمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيْتَ به نفسَك أو أنزَلْتَه في كتابِك أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِك أو استأثَرْتَ به في عِلْمِ الغيبِ عندَك أن تجعَلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجَلاءَ حَزَني وذَهابَ همِّي إلَّا أذهَب اللهُ عَزَّ وجَلَّ همَّه وأبدَلَه مكانَ حُزْنِه فَرَجًا قالوا يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أن نتعلَّمَ هؤلاء الكلماتِ قال أجَلْ ينبغي لمن سمِعَهُنَّ أن يتعَلَّمَهُنَّ". والمستقبل – عزيزي القارئ – بالنسبة لك "وهْمٌ"، بمعنى أنك لا تستطيع بحال أن تجزم بأنك ستعيشه، أو أن عمرك سيمتد لتصل إلى الموعد الذي هو سبب في قلقك وخوفك.. أما الواقع الذي تعيشه فهو الحقيقة التي ينبغي أن تنشغل بها على هُدىً من الله، فلا تسمح لخوفك من (المجهول) أن يُغيِّبك عن واقعك (المعلوم)، لأنه من الحُمق: الانشغال بهموم المستقبل (المزعومة) عن واجبات الواقع