رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

الإسلام يمرض ولكنه لا يموت

الشيخ أحمد طه
الشيخ أحمد طه

الاستقامة على منهج الله والتمسك بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم من اسباب النصر والاسلام يمرض ولكنه لايموت ومع هذه الدموع والآلام والجراح هيهات أن يقضوا على الإسلام، هيهات أن يطفئوا أنواره، لقد مر المسلمون في تاريخهم الطويل بأزمات عظيمة، مزقت فيها أجسادهم، واستبيحت ديارهم، فذهبت الأزمات، وبقي الإسلام غضًا طريًا، بدأت الآلام والتضحيات في حياة رسولنا -عليه الصلاة والسلام- والذي لاقى في ذات الله الشدائد، قالت له عائشة -رضي َالله عنها-:

يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فيها فإذا فيها جبريل، فناداني فقال:

إن الله -عز وجل- قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد، إن الله سمع قول قومك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".

 

وحوصر عليه الصلاة والسلام هو وقومه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، وفي أحد كسرت رباعيته، وشج رأسه، وقتل سبعون من أصحابه، وفي حادثة بئر معونة قتل سبعون من قراء الصحابة -رَضي الله عنهم-ن ومع هذا بقي الإسلام وذهب أعداؤه، ودخل صلى الله عليه وسلمَ مكة فاتحًا منتصرًا وهو يقول: (جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81].

 

دخل مكة عليه الصلاة والسلام عزيزًا قد مكنه الله من رقاب المشركين بعد ثماني عشرة سنة من الألم والدموع والتضحيات، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام ارتد من ارتد من العرب حتى قيل أنه لم يؤذن إلا في ثلاثة مساجد، ومنع المرتدون الزكاة، فأراد الصديق قتالهم فعارضه الصحابة -رضي الله عنهمَ- وعلى رأسهم عمر، فأصر الصديق على قتالهم، وشرح الله صدر عمر لرأي الصديق؛ فقاتلهم وانتصر عليهم، وذهب المرتدون وبقي الإسلام عزيزًا شامخًا.

 

وفي زمن القرامطة دخل أبو طاهر القرمطي -لعنه الله- المسجد الحرام يوم التروية، ووقف على باب الكعبة وتأمل ونادى في الحجيج: لمن الملك اليوم؟ ثم قال: أين الطير الأبابيل؟ أين الطير الأبابيل؟ ثم قال -أخزاه الله-: أنا الله وبالله أنا، يخلق الخلق وأفنيهم أنا، ثم قتل الناس وهم يطوفون فكانوا يفرون منه فيتعلقون بأستار الكعبة فيقتلون وهم كذلك، ثم أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم بعد أن قتل الآلاف من الحجيج –لعنه الله وأخزاه- ومع هذا لم يمت الإسلام، لم يمت الإسلام بل مات القرمطي تتبعه لعنات المسلمين إلى يوم القيامة، وبقي الإسلام يزداد نورًا وتألقًا.

 

وقتل التتار من المسلمين في أواخر أيام الدولة العباسية ما يقرب من مليون مسلم، ولما دخل الصليبيون بيت المقدس في أواخر سنة أربعمائة من الهجرة ارتكبوا أشنع المجازر حتى قتلوا سبعين ألفًا أو يزيدون؛ فما مات الإسلام بل قيض الله لدينه البطل الناصر صلاح الدين، والذي أخرج الصليبيين وأعاد بيت المقدس للمسلمين.

 

ولما استولى النصارى على الأندلس حرموا الإسلام، ومنعوا استخدام اللغة العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًا بعد أن يعذب أشد العذاب، وفتحوا محاكم التفتيش التي تفننوا فيها في أساليب القتل، فمن ذلك أنهم وضعوا غرفًا فيها آلات رهيبة لتكسير العظام، وسحق الأجسام، فكانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل ثم الصدر ثم الرأس حتى يهشم الجسم ويخرج من الجانب الآخر كتلةً من العظام الممزوجة باللحم والدم.

 

ومع هذا البطش والتنكيل والتقتيل والمكر الكبار

والمؤامرات التي تحاك بالليل والنهار ظل الإسلام قائمًا على أصوله، وأشرقت شمسه على جميع القارات، ودخل أمريكا وأوربا حتى زاد عدد المسلمين على المليار، فلا خوف على الإسلام، أعداؤه يموتون وأما هو فإنه يمرض ولا يموت، يتعثر ثم يقوم؛ لأنه الدين الذي اختاره الله للعالمين: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]؛ .

 

لأنه الدين الذي ختم الله به الأديان، وجعله مهيمنًا عليها، فلا سبيل للوقوف أمامه: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة: 32 - 33.

 

لأنه الدين الذي وعد الله أهله أن يمكن له في الأرض: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور: 55.

 

قال عليه الصلاة والسلام: "تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله -عز وجل- ثم فارس، فيفتحها الله -عز وجل- ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال، فيفتحه الله" رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من رواء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" رواه مسلم.

 

كلام كأنه من نسج الخيال كما كان زوال فارس والروم أشبه بالخيال، لكن الذي نطق به لا ينطق عن الهوى، فلا بد من وقوع ما أخبر به، فلا بد أن يأتي اليوم الذي ترفرف فيه "لا إله إلا الله" على ديار الكفر ومعاقلهم، والله ليكونن ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر" رواه الإمام أحمد.

 

لن يأتي النصر حتى تعود الأمة إلى مصدر عزها إلى كتاب ربها، والذي ما عاش المسلمون حياة الذل والمهانة إلا لما ابتعدوا عنه؛ فإن عادوا إليه عاد لهم عزهم ومجدهم: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40.

 

 الكلام لن ينفع إذا لم نغير واقعنا تغييرًا حقيقيًا، وذلك بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإن غيرنا نصرنا، وإن بقينا على ما نحن فيه بدلنا، قال الله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) محمد.