رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"سعد" و"النحاس" واجها الاستعمار

بوابة الوفد الإلكترونية

سمات مشتركة وطريق واحد وانجازات واخفاقات متشابهة ونفس تاريخ الوفاة. وكأن القدر يعيد فى مصطفى النحاس، روح سعد زغلول المثابرة، الوثابة، والطامحة لتحقيق العدل، والحرية، ومقاومة الطغيان والاستبداد.

فى 23 اغسطس عام 1927 رحل سعد زغلول عن مصر بعد حياة حافلة بالجهاد والفداء والوطنية لنيل الاستقلال وتحرير الوطن، وفى 23 اغسطس عام 1965 رحل مصطفى النحاس بعد حياة صاخبة شهدت معارك وطنية عديدة أسس خلالها الرجل الدولة المدنية الحديثة .
التشابه بين الزعيمين لا يقتصر على تاريخ الوفاة أو قيادة الوفد وانما يمتد لكثير من جوانب الحياة، وكأنهما اختارا نفس الاختيار، وسارا ذات المسار، وتركا للشعب دروسا لا تُمُحى مازالت صالحة حتى اليوم.
درس سعد ومصطفى القانون وتخرجا في كلية الحقوق، وانشغلا بالسياسة، وتزوجا فى سن متأخرة نسبيا، وترأسا حزب الوفد الأول من 1919 إلى 1927، والثانى من 1927 الى 1953. وتعرض كلاهما للاعتقال، والنفى، ومحاولات الاغتيال سواء الفعلى أو المعنوى. لقد أطلق أحد الأشقياء يوما الرصاص على صدر سعد وشاء الله أن ينجو بأعجوبة، وكان التحريض قادما من القصر الملكى الذى رأى فى شعبية سعد منافسة موجعة للملك فؤاد. كذلك فقد تعرض مصطفى النحاس لكثير من محاولات الاغتيال مثل ما قام به حسين توفيق، وأنور السادات بتحريض من الملك فاروق وشاء له الله النجاة حتى وصل الامر فى احدى المرات أن اصابت قنبلة ناموسية نومه داخل بيته.
وكلا الرجلين من أبناء الطبقة المصرية الوسطى من ريف مصر، وهى تلك الطبقة التى قادت التحرر فى كثير من دول العالم نتيجة الاهتمام بالتعليم والحرص على التثقيف والسعى للمعرفة.
كان سعد مؤمنا بأن الحق فوق القوة، والامة فوق الحكومة، وبنفس القدر كان ايمان النحاس بأن الامة هى مصدر السلطات، وأن الحكومة خادم لارادة الشعب، وأنه هو وحده من يختار ويقرر وعلى الجميع أن يصمت.
كذلك كان الزعيمان يؤمنان بأن مصر تتسع للجميع، وأن المواطنة حق لكل مصرى، وأنه لا تفضيل لمصرى عن الآخر بالدين أو العرق أو الطبقة، لذا فقد شهدت حكومة سعد عام 1924 مشاركة عدد أكبر من الاقباط، وشهدت حكومات النحاس الخمس انجازات عظيمة حققها وزراء مسيحيون.
ولاشك أن كليهما كان يرى ضرورة احترام الدستور والقانون والسماح بحرية التعبير والنقد إلى أبعد مدى ممكن. وقد رفض سعد اعلان الجمهورية حتى لا يتهم بالانقلاب على الدستور، وهو ما تكرر مع النحاس بعد ذلك رغم الشعبية الجارفة.
وقد وصل الحد بسعد باشا وهو رئيس وزراء مصر أن يتقبل بصدر رحب اتهامات شنيعة وأوصافاً سخيفة تدخل فى باب السب والقذف من محمد حسين هيكل ولم يتجاوز أن أقام دعوى قضائية ضده انتهت بالحكم بالبراءة باعتبار أنه شخصية عامة وأن كل شخصية عامة عليها أن تتقبل النقد حتى لو وصل لدرجة الاتهام.
أما مصطفى النحاس فقد كان لا يُعير النقد من جانب الخصوم اهتماما، لكنه اذا كان الامر يخص ما هو للشعب فقد كان يرد بموضوعية وهدوء وثقة دون أن يطارد منتقداً أو يعتقل شاتماً.
وعرف الرجلان بالاستقامة الشديدة والنزاهة والشرف وهو ما جعلهما أكثر صلابة على مواجهة اتهامات وافتراءات الخصوم والمخالفين فى الرأى والسياسة . واذا كان الخصوم قد وجهوا رصاص افتراءاتهم إلى الزعيمين فى كل شىء، فإن أحدا لم يستطع أن يفتح فمه حول أى شبهة فساد أو استغلال لنفوذ أو اتهام بالتربح للرجلين، وحتى عندما جنح البعض لذلك مثل ما جرى فى قضية الامير سيف الدين، أو واقعة الكتاب الاسود فقد كان رد الفعل هادئاً وقانونياً وفى اطار تأكيد النزاهة ودون تشنج أو انفعال أو انتقام.
أما السمات الشخصية فقد كان من الواضح وجود كثير من عناصر التشابه ربما أهمها البراعة الشديدة فى الخطابة والكاريزما الطاغية والقدرة على التأثير

فى الجماهير. فضلا عن البلاغة الشديدة فى الخطابات الرسمية وغير الرسمية، والقدرة على امتصاص غضب الجماهير والحديث بنفس لغاتها.
وكانت لدى كل من سعد والنحاس جرأة شديدة فى مواجهة الخصوم، وصلابة فى التعامل مع الاستعمار وصلت فى بعض الاحيان إلى استقالة سعد وحكومته رفضا للتدخل فى شئون مصر، وقيام النحاس بإلغاء معاهدة دولية وقعتها مصر مع بريطانيا لممارسة ضغط شعبى مباشر على بريطانيا.
إن الشجاعة فى الحق سمة بارزة لدى الزعيمين. إن سعد لم يتراجع عن المطالبة بحق مصر فى تقرير مصيرها وهو يعلم ان مآله إلى السجن أو المحاكمة أو النفى وظل صلبا عتيدا لا يُفرّط فى حق من حقوق الوطن حتى صدر دستور 1923 وفاز الوفد بالانتخابات وشكل الحكومة. ومثله كان النحاس مهيبا فى تعامله مع الملك فاروق ومع أحزاب القصر والانجليز ووصل به الامر أن يرفض تنصيب الملك دينيا وأن يقول للملك فور توليه «اعتبرنى والدك» وهو ما أثار حقد الملك وكراهيته له طوال حياته كما يذكر كريم ثابت فى مذكراته.
الغريب أن كليهما لم ينجبا أبناء أو بنات، وكأن الله أراد أن يحرمهما من الابوة لأنهما يتمتعان بأبوة جميع المصريين، ومن هُنا شاع لقب أم المصريين على السيدة صفية فهمى حرم سعد باشا.
وليس من شك أن سعد والنحاس ظلا فى موتهما حبيبين للشعب مثلما كان فى حياتهما، فخرجت جماهير مصر عن بكرة أبيها يوم 24 اغسطس عام 1927 تودع زعيمها بكاء وعويلا حتى وصف أمير الشعراء المشهد قائلا: «شيعوا الشمس ومالوا بضحاها / وانحنى الشرق عليها فبكاها / جلل الصبح سوادا يومها فكأن الارض لم تخلع دجاها». وبعده بـ38 سنة وفى أوج المد الناصرى وسطوته رحل مصطفى النحاس فى بيت بسيط مستأجر فى الاسكندرية، لكن الدنيا انقلبت بعد أن تسرّب الخبر، ومشى عشرات الآلاف من الناس فى جنازته رغم الحصار الأمنى وهتف المصريون: «لا زعيم الا النحاس».
لكن ماذا تبقى من الرجلين ؟ تبقى من سعد رؤية التحرر الوطنى ، وروح المثابرة والإيمان بقدرة الشعب على التغيير، ووحدة أبنائه بمختلف طوائفهم وطبقاتهم . أما النحاس فقد تبقت لنا مصر بكافة مؤسساتها بدءا من هيئة الطاقة الذرية، البحث العلمى، النقابات العمالية، البنك المركزى، الجهاز المركزى للمحاسبات، محكمة النقض، وجامعة الدول العربية. وقبل كل ذلك تبقت لنا قيم النزاهة والشرف والاستقامة واحترام القانون. لذا لم يموتا سعد والنحاس كما يموت الحكام المستبدون والزعماء الفاشيون وظلا بيننا وبين أحفادنا قناديل فخر أبدية.