رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحيق مختوم

بالأمس كانت إضاءة الشمعة الأخيرة من عيد الأنوار «هانوخا» أحد أهم الاعياد اليهودية والذى يحل 25 كيسليف الشهر التاسع بحسب التقويم العبري، ويرجع سبب الاحتفال الى الخلاص من قهر الملك انطيخوس الرابع الذى ذبح أبناءهم واستحيا نساءهم وأذاقهم كأس الذلة والمسكنة وفرض عليهم عبادة آلهة الاغريق داخل قدس الأقداس، اختبر السلوقيون أبشع ألوان الاضطهاد الدينى بإرغام بنى إسرائيل على اتباع الطقوس الوثنية الهلينية لكن تمرد على الظلم رجل يخفى إيمانه «يهوذا المكابى» اسمه اختصار لآية فى التوراة معناها «من كمثلك بين الآلهة يا الله» فقال يا قوم إنى معى ربى سيهدين وقاد المستضعفين بمدد إلهى لتحرير هيكلهم من الدنس وإعلاء راية التوحيد عبادة، تكمن المعجزة الربانية فى أن الزيت المقدس لم يكن يكفى لإنارة الشمعدان لأكثر من ليلتين، لكنه ظل مشتعلاً لثماني ليال.

سبحان الذى يجرى سنن التدافع على عباده الصابرين، تلك الأيام نداولها بين الناس فما يفعله اليهود اليوم بالفلسطينيين أشد بأسًا وأشد تنكيلًا، كل يوم أسمع أناسًا يتساءلون عن تحقيق معجزة ويتضرعون إلى القدير فى إظهار آية من آياته وإنى لأجزم بحدوثها، فإذا كانت مدة بركة الزيت المقدس آية عظيمة فإن معجزة غزة الباهرة هى البركة المتنامية فى الطعام والشراب ودقة السلاح وقبل هذا وذاك الصمود الأسطورى، ولما لا وهو الذى أنزل عليهم السكينة والطمأنينة وأمدهم بجنود لم تروها وجعل كلمة المحتلين هى السفلى.

 كرامة المرابطين تدخل شهرها الثالث ولا يجد الظالمون لاأفسهم مدخلًا ولا نصيرًا وبالرغم من حجم الدمار البربرى خلال شهرين فقط والذى فاق الدمار الذى تعرضت له المدن الألمانية طوال الحرب العالمية الثانية طبقًا لرواية فايننشال تايمز.

ومازال العالم يشاهد واحدة من أكبر جرائم القرن، ليس من قبيل المبالغة أن اسرائيل تواجه اكبر خطر وجودى فى تاريخها فهى تدرك أكثر من غيرها أنها هزمت هزيمة نكراء لوثت سمعتها الإقليمية ومحت فى طرفة عين أسطورة قوة الردع وهشمت عضد مجتمعها الهش لذلك هيستيريا حرب الإبادة الجماعية انتقامية عقابية موجهة بالأساس ضد إرادة الصمود الشعبى، طبقًا لمعطيات الميدان إسرائيل عاجزة على منازلة حماس وأخواتها بعد سقوطها فى مستنقع الانفاق وأصبح تدميرها هدفًا غير واقعي بعيد المنال يحتاج وقتًا طويلًا جدًا ويكلفها خسائر بشرية ومادية فادحة تتكبدها يوميًا، معضلة إسرائيل هى اليوم التالى للحرب لأنه سيفجر صراعاتها الداخلية على وقع ما حدث فى السابع من أكتوبر. يدرك قادتها جيدًا انه لا مفر لتجنب تلك الاستحقاقات سوى استمرار الحرب المجنونة بالرغم من انها لن تغير شيئًا فى المعادلة الاستراتيجية لانها بلا نتائج جيوسياسية، ليس هناك حل سحري للمأزق الأمنى المتدهور، حتى ولو سيطرت على سطح القطاع لن تستطيع إدارته، لاسيما بعد الخراب الرهيب الذى يحتاج إصلاحه أموالًا طائلة وعقودًا من العمل الشاق وكل الهراء عن خطط متوهمة لإدارته عبر فتح و قوات إقليمية أو دولية، هى أشبه بوعود كاذبة لتهدئة الثور الهائج، لأنها فعليًا مسألة شبه مستحيلة بإلإضافة إلى أن فكرة مقاومة الاحتلال مسألة حياة أو موت تتخطى أى بعد أيديولوجى. 

هنالك عقيدة إسرائيلية فى التعامل مع الهزائم الطارئة وهى تحويلها بشتى الطرق الى انتصار مهما كلفها الأمر لأنهم يخشون من هزيمة كاملة تطيح بدولتهم الرخوة.. فالهزيمة الأولى تعنى بداية النهاية.