رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تبرر الحجج السقيمة جريمة السطو المسلح على مقدرات الشعوب المقهورة إلى جشع المستعمرين الأوغاد، ولكن حقيقة الأمر هى ثقافة متجذرة تسرى فى عروق الرجل الأبيض تنضح كراهية وعنصرية حتى لم يسلم منها صاحب «البؤساء» فيكتور هوجو، الذى كان يحرض مواطنيه على احتلال أفريقيا ويشجعهم على ذلك فى خطب حماسية. 

«هيا أيها الناس، استولوا على هذه الأرض، لمن تعود ملكيتها؟ إنها ليست ملكًا لأحد، اذهبوا واحصلوا عليها لأجل الرب، فهو الذى وهب أفريقيا إلى الأوروبيين»

بدأت قصة الاستعمار الفرنسى عقب إنشاء شركة الهند الشرقية 1664 التى توسع نشاطها المشبوه فى مناطق مترامية الأطراف من المعمورة قرابة 11.5 مليون كيلو متر مربع استباحت الإمبراطورية الغابرة عذرية القارة البكر من جبال الأطلس شمالًا مرورًا بأدغال ساحل الذهب غربًا، حتى جزر مدغشقر جنوبًا. 

تلون الاستعمار مثل الحرباء فى أنماط وصور متعددة كالحكم المباشر الخشن لترويض قبائل بدائية متخلفة عن الركب الحضارى، ثم صناعة نخبة مستأنسه تدين لها بالولاء تسخرها فى تسيير دولاب العمل النظامى ثم جرى فى النهر ماء كثير حتى جاءت موجة عاتية تحمل آمال التحرر الوطنى فخرج المارد من القمقم وتمرد على العبودية الجائرة فخشى سحرة الإليزيه من مغبة الصدام العنيف، فقرروا بخبث منحهم الاستقلال الشكلى طوعًا حتى تبقى على روابطها الوثيقة ونفوذها التاريخى، ولا ينازعها فيها أحد، فظلت هذه الدول المغلوبة على أمرها تدور فى فلك طغيان التأثير الثقافى والاقتصادى والأمنى لتصبح فى نهاية المطاف فرنسية الهوى.  

سردية الاستعمار الجديد معقدة للغاية؛ لذا تفتق ذهن الجنرال شارل ديجول عن صياغة معادلة جديدة تجعل من الشركات العملاقة رأس الحربة فى إبقاء الوضع على ما هو عليه دونما خسائر عسكرية، واستمرار سرقة المواد الخام النفيسة بثمن بخس، فهى تسيطر على حقول النفط فى السنغال ومناجم الذهب فى مالى وعلى معدن الكولتان من الكونغو، الذى يعتبر أساسيا فى تطوير الرقاقات الإلكترونية، وتعتمد المفاعلات النووية على  25 % من اليورانيوم القادم من النيجر. ولازالت الأرقام صادمة، فيكفى أن 80% من الثروات المعدنية الأفريقية التى تصدر  إلى كل أرجاء العالم تتم  تحت إشراف فرنسي! ولكى يكتمل الخناق والتبعية الاقتصادية تضع باريس 12 دولة أفريقية تحت مقصلة عملة الفرنك الأفريقى والتى تتحكم فى طباعته وتحديد قيمة تداوله وقوته الشرائية. وتقسمه جغرافيا فهناك فرنك خاص بدول الوسط وآخر لدول الغرب ورغم أن قيمتهما واحدة فإنها تمنع الاستعمال المتبادل بين تلك الدول بل وتلزم بنوكها المركزية بإيداع  85% من الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى الفرنسى، ولا يمكنهم التصرف فى الأموال إلا 15% فقط، وفى حالة عجز الموازنة تجبرهم على اقتراض أموال إضافية من الخزانة الفرنسية بنسب فوائد تصل إلى 20%، مع احتفاظها بحق رفض الإقراض، وبذلك تحقق الخزانة الفرنسية أرباح ما يعادل 500 مليار. 

ولكن فى الآونة الأخيرة حدثت متغيرات كثيرة جعلت قبضة باريس على مناطق نفوذها التاريخية تتهاوى لاسيما مع تفشى حمى الانقلابات العسكرية ذات الميول اليسارية متزامنة مع إرهاب الجماعات المتشددة وتمدد النفوذ الاقتصادى الصينى الناعم، وانتشار فاجنر فى مناطق حيوية. لم يعد أمام فرنسا مزيد من الحيل لكى تنقذ ما يمكن إنقاذه سوى الكروت البالية عن قدسية الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان ربما تجد آذانًا صاغية من بعض المغفلين، وما أكثرهم.