رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كان  قطيعاً من الخنازير يرعى فوق الجبل فتضرّعت الشياطين إلى يسوع أن تخرج من جسد الانسان و تدخل فى ذلك القطيع ، فأذن لها فاندفعت من أعلى الجرف إلى البحيرة حتى غرقت، عندما رأى الرعاة ما حدث فزعوا ونشروا النبأ فى كل مكان ، فخرج الناس ليروا ما جرى، فلما دنوا  إلى يسوع وجدوا الذى اخرجت الشياطين منه لابسًا ثيابه مالكًا عقله جالسًا فى سكينة عند قدمى يسوع.

ببضعة كلمات من (انجيل لوقا ) استهل أحد أبطال رواية الشياطين الصادرة 1871 والتى تتناول شخصيات حقيقية تمثل شرائح المجتمع البائس آبان أفول روسيا القيصرية حيث كان جوهر الصراع  بين الثورة أو الاستقرار ، التغيير او الركود ، ذلك الزخم الديناميكى هو الوقود الذى لا ينفذ لحيوية الشعوب، فمع تلك الأجواء المشحونة بالانفعالات العاطفية نستطيع  فهم المجاز،  فالشياطين لا تعنى بالضرورة التصرف على نحو غير أخلاقى أو إجرامي، بل هى مس  التخيلات التى تستحوذ عليها قوى غير مادية تُخضِع الارادة و تشوه الوعى ثم تدفعه بجنون نحو الكارثة. وعزز ذلك التوجه احساس النخبة المتطلعة بالدونية الحضارية تجاه التفوق الالمانى فضربت الانواء العاتية المجتمع نتيجة التفاوت الطبقى الشاسع  وانقسام القوى الفاعلة على نفسها بعدما فتنتها مجموعة من المذاهب الشيطانية كالمادية والوضعية والنفعية و اللاسلطوية و العدمية وما تستند إليه جميعًا هو عين الإلحاد الذى تسلل الى عروق الثقافة الروسية الأصيلة النابعة من الإيمان والروحانية لذا سكن الرعب نفوس الشعب من خطورة تلك الأفكار المتضاربة التى تثبت ان الشياطين هم أولئك الذين يتصارعون على الوطن و ليس من أجله . 

 تكمن عبقرية دوستوفيسكى فى النفاذ الى اعماق النفس البشرية بنضج لا مثيل له مبرزًا التباين المثير بين جيل قديم متسلح بالحكمة ، وجيل جديد متلهف إلى الحداثة . هنالك تتجلى ميزة دوستويفسكية مذهلة وهى النبوءة  الصادقة التى حذرت من سلبيات الثوره البلشفية قبل وقوعها، ولهذا صودرت و منعت فى العهد الشيوعى.

لاشك إن الظرف الزمانى و المكانى فى الرواية اُعتبر منعطفًا هامًا فى تاريخ العالم الحديث وهو بوادر ظهور الاشتراكية والأممية ولهذا صنفت الأوساط الادبية المرموقة هذه الملحمة بأفضل رواية سياسية/اجتماعية كتبت حتى الآن لأنها تدين التغيير الذى يحدثُ سفك الدماء وإحراق الاخضر و اليابس فهى بحق انتصار للإيمان المستنير ، واحتقار لدونية الإنسان بكل تناقضاته ، دونية لا تزول إلا بالإيمان بالله واعتبار أن الله حقيقة أكبر وجودًا من كينونة الإنسان الذى يجسد مجرد فكرة زائلة. 

لقد باع الغرب نفسه للشيطان عندما كفر بتعاليم السماء و صدق حديث نيتشه عن موت الاله و قيامة (السوبر مان)الذى أكل  من شجرة الخلد ثم دفن تحتها كل القيم الاخلاقية و أضحت القوة الباطشة هى الانجيل القانونى لذا سقط حتى اذنيه فى مستنقع الرذائل الحيوانية كالزنا والعلاقات الشاذة و إباحة الاجهاض وتقنين المخدرات ولن استغرب عما قريب  شرعنة زواج البشر بالحيوانات!! لذا لم يتبق من شرك الغواية الا (الشرق الكسير ) مهبط الوحى الذى لازال يتمسك بما تبقى من عرى الإيمان و هذا سبب صناعة الغرب للثورات الملونة و الربيع العربى حتى تعم الفوضى الشيطانية ثم يصبحوا مجرد مسخ مشوه يمكن اقتياده الى حبائل الشيطان الذى يسعى بحقد دفين منذ الأزل لإثبات عدم جدراة ذرية عدوه اللدود بخلافة القدير في  الأرض.

لا أجد أفضل من أبيات بوشكين تلخص ما نحن فيه (الشيطان يجرّنا هنا وهناك... ويديرنا إلى كل الجهات ).