رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في عيد الطفولة .. يمسح دموعه ويبحث عن البهجة

بوابة الوفد الإلكترونية

يصنع من أكياس القمامة رؤوسًا وأجسادًا لبشر.. يحاكيهم ويحاكونه.. ينسج من خياله حكايات وحكايات لم تكن.. عفاريت كما اعتقدت أمه.. لكن «مصطفى» كان يصنع «عرايس في راسه» ثم يجسدها فهمت «أميرة» الحكايات.. القصة ولمعت الأفكار في عقليتها المبدعة فخرجت من «شكمجية» الأمل مسرحية «الولد اللي في دماغه عرايس»، أبطال أحداثها أطفال جميعهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، يشاركهم في العمل أمهات كن قد سمحوا لليأس أن يتسرب اليهن، لكل أم تعاني نفس آلامهن.. حولت الروايات الحزينة الي إبداع يتحرك علي مسرح وأنوار ملونة تبهج النفوس وموسيقي ترقص عليها قلوب الصغار.

«الشكمجية» ليس مجرد اسم لفرقة فريدة.. ووحيدة من نوعها ليس في مصر فقط بل في العالم كله.. بل هي حكاية حب وإصرار وتحد وبقعة ضوء تحول عتمة العاقة الي نور يشع الأمل في أرواح أسر بالكامل بينها طفل يعاني من صمم أو فقدان للبصر أو توحد.. أو حتي شلل كامل كل الإعاقات هنا تتحول الي قدرات «خلاقة» تحفة إنسانية غاية في الجمال والروعة تحركها عصا «المايسترو» أميرة فتحي، كانت قبل أن تصبح أما لطفل من أطفال التوحد، مخرجة من مئات غيرها في وزارة الثقافة لكن وكما تقول: بعدما منّ الله عليّ بـ«ياسين» سجدت لله شكرا علي ما أعطاني لكن أيقنت أنعالم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يعرفه إلا من دخل فيه.

وكرست كل حياتي لابني حتي أنني حصلت علي دبلومة في التربية الخاصة وكنت حتي قبل أن أتزوج أولي اهتماما خاصة وأزور دورا للرعاية ورأيت كيف يعاملون الأطفال بشكل غير إنساني في أغلب الأحوال.

تنساب دمعة من عيون «أم ياسين» وهي تقول أحتفظ بصور «السونار» وهو مازال جنينا في بطني وصور أول مرة أقص شعره وسبوعه وقلت لنفسي في لحظة ضعف «لو كان أي إعاقة غير التوحد»!!

<>

- لأن المجتمع ليس مؤهلا لمعاملة هؤلاء الأطفال حتي الأسر تحتاج لتأهيل نفسي كنت قد ذهبت لأحد المراكز الخاصة علي أن أتبرع لهم بحفلة للترفيه عن الأطفال.. ووجدت مدرسا يضرب ولدا منهم علي وجهه.. هذا الطفل كان من ذوي الإعاقات الذهنية فانتزعت ابني من وسطهم وهربت به خوفا عليه وبعدها أخذت قراري بأن أكرس نفسي وشغلي من أجل كل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وبدأت بالفعل ورشة إعداد وتأهيل وتبلورت في ذهني فكرة علاج ذوي الاحتياجات الخاصة بالفن، وطبقت أولا مع ابني البرامج العلاجية بالفن، عن طريق استخدام البرنامج نفسه بديل اللعب واللهو ثم بدأت مع أطفال آخرين في محاولة لعلاج الخلل الحسي عن طريق الإضاءة المسرحية.

< ما="" الدافع="" وراء="" سعيك="" لتطبيق="" هذه="" الفكرة="">

- هؤلاء الأطفال لهم قدرات وإحساس ومشاعر.. لا يعرفون كيف يوظفونها ولا حتي أهلهم يعلمون.. لكننا نحاول ذلك ونستثمر مهاراتهم الكبري والصغري، كل يصنع ما يتقنه، فهناك «مصطفي» الذي استوحينا المسرحية منه وهو بطلها نحكي عما هو التوحد.. «مصطفي» متوحد عبقري كان لو لمسه أحد يصرخ وتم تأهيله عن طريق الجلسات وهؤلاء الأطفال منهم من يصنع العرايس بيديه كما تمكنا من تعليمهم الرسم، وكان العمل مع كل المشاكل الذهنية والشلل والأطفال الصم والبكم.

لاقت فكرة البرنامج العلاجي بالفن نجاحا كبيرا وهنا أشارت السيدة أميرة فتحي الي الأطفال وأمهاتهم وهم يشعرون بأنهم أسرة واحدة، فريق متكامل سعيد ومرح، وينتج فنا أيضا.

«فتحي» طفل يحمل وجهه كل ملامح البراءة والجمال C.B أي شلل دماغي وهو حائز علي جائزة أولي علي مستوي الجمهورية وتلميذ في مدرسة التربية الفكرية وعمره 12 عاما، صنع عروسة ماريونت.. تعلمها في ورشة «الفن حياة» تحت رعاية إدارة التمكين الثقافي، وهنا يتباهى «عبده» بلف التنورة الملونة بحرفية شديدة وإمتاع بصري علي أعلى مستوى،  أحمد، محمود، محمد صلاح.. من الصم والبكم لكنهم مبدعون.. ومريم تعاني من إعاقة حركية.. وصماء لكنها فنانة من الطراز الأول 45 طفلا وطفلة جميعهم في المدارس وذوو مواهب متعددة كانت مخفية وراء إعاقات تبدو للناظرين «عجزاً» لكنها في واقع الأمر كنوز كانت تنتظر من يكتشفها.

 

أمهات وفنانات

من المدهش في فرقة «الشكمجية» أنها وباستثناء مديرتها.. لم يدرسوا فنا ولا مسرحاً ولا إضاءة ولا صوت.. لكنهن مبدعات من أجل ابنائهن كل منهن نفضت عن نفسها الأحزان واليأس وأصبحت جزءاً فاعلاً في علاج ابنها بـ «الفن».

وكما تقول أميرة شوقي، جاءتني أم مصطفى، مصطفي عمره 15 سنة، وقالت أمه: إنه يصنع عفاريت.. وهى لم تكن سوى «عرايس في مخيلته» يصنعها مع أكياس القمامة وكان مصطفي يحكي لنا حكاية تلك العرايس ومن هنا جاءت مسرحية «الولد اللي في دماغه عرايس».. وتضيف أميرة: لو الأم حالتها كويسة الولد هيتحسن ويستجيب للتأهيل وبنشتغل كلنا مع بعض.. حتى اننا ابتكرنا نظاما لتصبح كل أم. أماً لكل الاولاد فكل منهن تتولى رعاية ولد من الفرقة يوماً.

وهنا عملنا على تأهيل الامهات ايضاً ربما بدون أن نشعرهن بذلك والأمهات يشاركن أبناءهن العروض.. فمنهن من تتولى الإضاءة والموسيقي.. وغيرها وعملنا ورشة «الفن حياة» واستعنا بمتخصصين أيضاً نفس وتنمية مهارات مثل د. وليد النبوي وإيهاب فؤاد، ومتخصصين في الفن مثل صلاح خضر والمخرج محمد فؤاد إخصائي الأداء الحركي. وأحمد عبد الجليل فيديو أحمد سمير الحكي المسرحي وعيد بكري مصمم الماريونيت الذي علَّم الأولاد.

 

حب وصبر

من يشاهد فرقة «الشكمجية» يعلم أن الحب والصبر قوامها وربما يكون ذلك سبباً مباشرا في روح التعاون والود التي تظهر بين الأولاد والأمهات والمتخصصين.. فالفرقة أنتجت أطفالا موهوبين فعلاً مثل مصطفي - بطل العرض- وإيمان التي تعاني من شلل دماغي، لكنها هي الطالبة المثالية.. ورجاء التي تعد مثالاً غاية في الروعة علي التحول الإيجابى عن طريق الفن والتأهيل.. فقد كانت قبل إخضاعها للبرنامج مجرد فتاة معاقة ذهنياً وكل ما كان يشغل بال أمها «كيف ستزوجها مثل كل البنات؟».

لكن رجاء تحدثت معنا وقالت بكل وعى، والضحكة تملأ وجهها البريء «نفسى أكبر وأبقى دكتورة». المفاجأة أن أم رجاء نفسها أصبحت من بطلات عرض «الشكمجية».

قالت لنا: رجاء أصغر بناتى وكانت مشكلة بالنسبة لي وعندي غيرها ولدان كنا من قبل في قصر ثقافة بهتيم.. ولم نجد الحياة تتغير إلا عندما علمنا بنشاط «ميس أميرة» وانضممت أنا وابنتي الفرقة وعاوزة الناس كلها تعرفها بعدما كنت بأخبيها.

 

أمهات.. وأطفال

كانت مفاجأة «حلوة» أن يري الأطفال أمهاتهن يتصرفن كأطفال مثلهم، هذا ما شعرت به والدة منى: قالت: حتي الصم يغنون ويمثلون بالإشارة وقالت نجلاء عزيز، أم لأطفال في مدرسة الأمل: تعلمت لغة الإشارة من أجل أبنائى.

أشعر أن الأولاد «مش واخدين حقهم في المدارس».. هكذا اشتكت أكثر من أم وقالت إحداهن: حتي المدرسين لا يعرفون إشارة فكيف يعلمونهم مجرد نقش علي السبورة ولا أحد يفهم إحنا وصلنا للمرحلة الإعدادية

ومافيش تعليم وإن تكلمنا يقولوا «مافيش مدرسين هاتوا انتم»!

وجاءت فرقة الشكمجية وبرامج ميس أميرة لتكون بمثابة بوابة أمل بعدما كان أطفالنا «شبه حاجة مركونة في البيت» لا أحد يهتم بهم.

أما أم ميار.. فابنتها عمرها 14 سنة، مصابة بمرض قال عنه الأطباء إنه نادر جداً يسمى «هافانا - مارفا» ولا يصاب به سوي واحد في الألف من الأطفال، وهو مرض جيني مصاحب لإعاقات عقلية، تقول الأم «دخت علي الأطباء والمراكز العلاجية، وأخيراً غيرت وجهة العلاج لمركز الاحتياجات الخاصة بعين شمس وابنتي ألحقتها بمدرسة تربية فكرية كان من الممكن أن تدخل مدرسة عادية لأنها تعاني فقط من صعوبات تعلم لكن ليس لديها أي مشكلة عقلية ولا يلاحظ عليها أحد أي اختلاف.

مأساة أخرى تحكيها والدة الطفلة ميار.. نجمة «الشكمجية».. كما تصفها بمديرة الفرقة.. تقول الأم: لا تأخذ ابنتي أي تعليم في المدرسة ولا حتي ألف باء، ولا توجد أي رعاية من أي نوع حتي إن ابنتي وقعت في المدرسة وكادت تفقد عينيها واحتاجت جراحة كلفتنا 16 ألف جنيه.

وما إن شكت أم.. حتي انطلقت صرخات أمهات يعانين من إهمال وتجاهل لمشكلات حقيقية يعيشها أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في طريق التعليم أو الصحة أو التأهيل فها هي أم محمود ومنار تؤكد أن ابنها عاني ليدخل المدرسة الثانوية وقالت «مافيش مناهج ولا تعليم».

وشكت أمهات من اضطهاد الإدارة في مدارس الأولاد بمجرد النطق بالشكوى خاصة في مدرسة الأمل للصم بشبرا الخيمة.

أما أم رحمة.. فديها خمسة أبناء من الصم، والبكم قالت: لدي عبدالرحمن ومحمد وأحمد وبنتان جميعهم من الصم وأنا مبسوطة بينهم.. لكن الحكومة مش عملالى حاجة.. المشكلة أن إدارات المدارس «عاملة رعب للأولاد.. ويعترضون علي اشتراكهم في أي نشاط ويحاربوننا ويعترضون علي اشتراكهم في أي مهرجان، المشكلة التي تحكيها الأمهات أنها لا بديل في المدارس ولا أنشطة ولا ورش عمل.

وتقول أم بسملة: ابنتي بسملة في الصف الأول الإعدادى بمدرسة التربية الفكرية بالمجمع ولا تتسلم كتبا وحتي إن سلموها تكون كتبا قديمة، أي أن الوزارة لا تهتم المشكلة أنني حائرة بعد 3 إعدادى. أين ستذهب ابنتي؟ مافيش مدارس ثانوي وابنتى لديها نسبة ضمور في المخ تؤثر على قدميها..

أما سلسبيل فهي طفلة في الصف الرابع الابتدائى، والدها ساعي بسيط لكن علاج المخ والأعصاب يكلفه شهرياً 500 جنيه.

تطالب أمهات الأطفال أيضاً الوزراء بتدعيم أولادهم.. فمن حق الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة التعليم والاهتمام بالمدارس الفكرية، ومن حقهم العلاج المجاني، وتقول أميرة شوقي مديرة الفرقة: أتمني أنا وكل الأمهات وجود مدرسة لتطوير ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ترعاها الدولة علي أن تكون مدرسة ليلية بحيث يتلقي الأطفال التعليم صباحاً في المدارس وينموا مهاراتهم مساء.

وطالبت الأمهات أيضاً بضرورة الاهتمام بمعاشات ذوي الاحتياجات الخاصة، فالمعاشات التي تصرف ضئيلة ولا تناسب احتياجاتهم، وتقول أم أحمد: «بقالي سنة بأجرى علي معاش لابني ومافيش فايدة.

أما أم فتحي فتقول: كنت أحصل علي 85 جنيهاً ثم أصبح المعاش 300 جنيه ولا تكفي هذه المبالغ أي نفقات علاج أو تأهيل، كما أن حق ذوي الاحتياجات الخاصة في السكن مهضوم ويعاني الأهالي في الحصول عليه، وإن حصل فبعد سنوات من الروتين والسعي حتي الوحدات التي يحصلون عليها غير مؤهلة وضيقة ولا تتوافر أي إتاحة هندسية في المباني أو الشوارع.

 

حلم

سألت الفنانة الأم أميرة فتحي مؤسسة فرقة «الشكمجية» عن أحلام الفرقة فقالت: أولاً عن أكبر فرقة لذوي الاحتياجات الخاصة وهي نموذج حقيقي للدمج سواء بين الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة المختلفة أو بينهم وبين المجتمع كله.. ونتبنى اسلوب الفن في العلاج والتأهيل.. ورغم اشتراكنا في مهرجانات لاقت اعجاباً من الجميع لا يوجه مكان خاص بنا للتدريب ومركز شباب 15 مايو بمسطرد يفتح لنا أبوابه مشكوراً، لكن كثيرا من الاولاد يعانون من مشكلات في الانتقال ويأتون من أماكن بعيدة.

كما أننا نعاني من عدم وجود أي مصدر للتمويل.. وأتمنى وجود جهة تتبنى الفرقة وتدعمها.. كما أن حلمي الأكبر هو أن يصل فننا وأفكارنا لكل مكان في مصر ولا يستغلنا أحد ويتاجر بنا، وكل أملي أن أنشئ أكاديمية لتطوير مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة بالفنون بدعم من المحافظين والمجلس القومي لشئون الاعاقة ووزارة الشباب ويكون لنا مكان ثابت، ونقدم ابداعنا في كل مكان قرى ومدن نقيم ورش عمل لاكتشاف المواهب من خلال مشروع ورش الفن حياة بالتمثيل والاستعراض والموسيقي والتنورة والعرايس.. ونمثل مصر في مهرجانات دولية وعالمية.