رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صالح زكي"عيوني ما تغلاش على مصر"

بوابة الوفد الإلكترونية

«كان آخر ما رأت عيني الألغام الأرضية التي زرعناها في الدفرسوار وهي تنفجر في الدبابات الإسرائيلية.. وكان هذا آخر عهدي بالنور وآخر ما شاهدته بعدها لم أر النور مرة أخرى. ويكفيني فخرا أن آخر ما رأت عيني كان الانتصار الذي كنا نحققه وصيحات التكبير لا تتوقف من حناجرنا» هكذا جاءت كلمات المهندس صالح حسن ذكي ابن مدينة الإسماعيلية وأحد أبطال حرب اكتوبر المجيدة.

وتابع في حديثه لـ«الوفد»: 42 عاما مرت على فقداني البصر لم أر فيها قط أقرب الناس لقلبي زوجتي وأبنائي وأحفادي ولكنني كنت دائما واثقا في حكمة الله وحامدا لفضله بأنني لم أفقد البصيرة وطريقي الى الله وعوضني الله بعائلة طيبة وذرية صالحة.

وقال صالح: «تخرجت في كلية الزراعة عام 1970، والتحقت بعدها بالقوات المسلحة مجندا بسلاح المهندسين. وطوال ثلاث سنوات قبل حرب أكتوبر كنت قد تلقيت وزملائي مجموعة تدريبات عالية على أعلى تقنية. كانت الروح المعنوية بداخلنا تزداد كل يوم ولدينا قناعة أن الحرب قادمة والنصر قريب كان هناك حالة من التفاؤل بين الجنود رغم الإحباط واليأس الذي كانت تعيشه البلاد بعد هزيمة 67».

وأضاف: «كان أهم ما تدربنا عليه في سلاح المهندسين هو نصب الكباري البرمائية وفكها في أسرع وقت ووصلنا بالتدريبات أن تمكنا من نصب الكباري في موعده أقصاه 8 دقائق فقط وهو إنجاز في وقت قياسي غير مسبوق. كنا نعلم أن المقصود من التدريبات تهيأتنا للمعركة الكبرى وعبور قناة السويس ولكننا لم نكن نعلم موعد العبور ولا ساعة الصفر  حتى جاء يوم السادس من أكتوبر».

وأضاف: «كان تمركز الكتيبة التي أنتمي لها في منطقة الدفرسوار وكانت المهمة المحددة التي تكلفنا بها يوم 10 أكتوبر زرع حقول الغام بالضفة الشرقية لقناة السويس بمنطقة الدفرسوار، وصدرت لنا الأوامر ايضا بزرع حقل آخر من الألغام على بعد 20 كيلو من الحقل الأول وذلك بغرض التمويه للعدو، وبالفعل تم تنفيذ الأمر وكان نتيجة ذلك حدوث خسائر كبيرة ووقوع قتلى في صفوف العدو عند مرورهم بحقل الألغام الأول الذى قمنا بزرعه، وباليوم التالى الموافق 11 أكتوبر عند ما طلب منا ازالة حقل الألغام الذى وضعنا بغرض التمويه شن الطيران الإسرائيلى غارة علينا. وقتها فقدت الوعي ولا أدري ما الذي حدث حتى أفقت على سرير المستشفى بالقصر العيني».

وتابع: «عندما استعدت وعي لم أر شيئا كانت عيني مغممة وتخيلت وقتها انني مازالت على الجبهة وظللت لدقائق أنادي على زملائي الذين كانوا بجواري وكان الرد من التمريض انني مصاب وانني في المستشفى وانني نقلت الى هنا منذ عدة ايام».

وقال: «جاءت أمي لزيارتي ومعها اشقائي وأبي وكنت وقتها أظن أن إصابتي ستأخذ فترة وانني سأعود للنظر مرة أخرى بعد خضوعي لعدد من العمليات الجراحية ولكن الأمر طال وعلمت بعدها ان عددا من زملائي استشهد وأن ابن خالي الملازم اول سيد وصفي استشهد هو الاخر في الحرب». وأضاف «ظللت بالمستشفى عدة أشهر انتقلت خلالها من مستشفى القصر العيني لمستشفى المعادي العسكري».

وأضاف: «انقطع ابي عن زيارتي لفترة وكنت كلما سألت أشقائي وأمي عنه تحججوا انه مشغول في عمله حتى علمت من ابن عمي وكان وقتها طفلا أن أبي مات على باب المستشفى بعد زيارتي من عدة اسابيع بعدما علم من الاطباء انني فقدت البصر نهائيا وأنه لا أمل من إجراء أية جراحات لاستعادة بصري مرة أخرى. وقال: «كانت الصدمة لي كبيرة في فقداني أبي وهو سندي وظهري وفي فقداني بصري وأنا عمري 21 سنة. ولا أنكر انني دخلت في حالة من الحزن الشديد وقتها

لكن أمي رحمة الله عليها كان لها الفضل في مساعدتي للخروج من الأزمة».

وقال: «كان آخر عهدي بالعمليات الجراحية والمحاولات الطبية عندما أوفدت القوات المسلحة مجموعة من المصابين لرومانيا  لتلقي العلاج اللازم وهناك أجريت لي عملية جراحية ولكنها باءت بالفشل وعدت الى القاهرة مرة اخرى وكانت إصابتي كما مدونة  بالتقرير الطبي» فقد كامل بالعين اليسرى وضمور بالعين اليمنى.

وتابع بعد  الهجرة  وعودتي لمدينة الإسماعيلية. التحقت بالعمل كمدرس مواد زراعية في إحدى مدارس الإسماعيلية، وحصلت بعدها على إجازة إصابة لأني من مصابي حرب أكتوبر حتى أكرمني الله بزوجتي التي كان لها دور كبير في دعمي ومساندتي معنويا وانشغلت مع أبنائي الثلاثة «حسن» صيدلي و«أميرة» مدرسة وهما توأمان, وياسمين الابنة الصغرى وتعمل طبيبة بيطرية، في مذاكرتهم ودروسهم حتى تخرجوا جميعا في كلياتهم.

وقال: «كلما أحسست بلحظة بضيق تذكرت الانتصار. وكلما استشعرت بهم تذكرت الوطن الذي كان يستحق الكثير من أجله. فهناك من ضحى بروحه فكيف لي أن أحزن وأنا حي أرزق أعيش بين أبنائي وأحفادي وكانت دائما زوجتي تقول لي: «أخذ الله منك عينين وارسل اليك 6 أعين «كانت تقصد بذلك أعين أبنائي. وأكرمها الله أن تستحق عن جدارة لقب الأم المثالية عن محافظة الاسماعيلية في عام 2005 لوقوفها بجواري ودورها في تربية الأبناء.

وقالت فردوس محمد زوجة المهندس صالح: «كنت فتاة في التاسعة عشرة من عمري عندما وقعت حرب اكتوبر وهاجرت مع أسرتي من الإسماعيلية للصعيد. كنت أتابع بشغف أخبار الحرب والمعارك طوال حرب الاستنزاف على أمل تحرير سيناء وعودتنا مرة اخرى لبيتنا في الاسماعيلية. ولا أخفي سرا كم كنت أتمنى من الله أن أرتبط بزوج من أبطال حرب أكتوبر. كنت بدعي ربنا أن أتزوج واحدا منهم وده كان إحساس بيمتلكني كل ما تابعت أخبار المصابين وصورهم في الجرائد والمجلات. ولولا أن تربيتي الصعيدية كانت تمنعني من البوح بمثل هذه الأمنية لأحد..

وكنت أعرف صالح لأنه كانت خالته جارتنا لكنني لم يخطر على بالي أن أرتبط به حتى كان النصيب وقامت أحدى جارتنا بالحديث معي عن رأيي في الارتباط بصالح وبالفعل وافقت وتم الزواج وأنا فخورة بارتباطي ببطل من الحرب». وقالت: صالح رجل خلوق ويعتمد على نفسه في كل شيء حتى أنه كان يستذكر دروس الأبناء ويتابعهم في مدارسهم وكان دائما يحكي للأبناء ومن بعدهم الأحفاد عن الحرب وبطولات زملائه.